وأمّا الثانية فهي عبارة عمّا يقف عليه الإنسان نتيجة عمليات ذهنية وجهود فكرية ، من دون أن يكون لصلته بالخارج تأثير مباشر في ما وقف عليه. ولهذا أمثلة كثيرة ، نذكر منها :
أ ـ المفاهيم الكلية. إنّ من المفاهيم ما له قابلية الانطباق على مصاديق كثيرة ، كمفهوم الإنسان ، والحيوان. فإنّ من المعلوم أنّ مفهوم الإنسان ، بوصف أنّه كلّي ، غير مأخوذ من الخارج ، ولا وارد إلى محيط الذهن منه. فإنّ الإنسان الخارجي ، أعني مصاديقه وأفراده ، كلّها جزئيات متعينة لا تصدق إلّا على نفسها ، ولا تنطبق على غيرها. بخلاف مفهوم الإنسان المجرّد عن كل خصوصيّة ، فإنّه مفهوم عام ، ينطبق على جميع الأفراد.
وعلى ذلك ، فالتعرف على المفهوم الكلي ، معرفةٌ إنسانية غير حاصلة في النفس من الخارج ، مع أنّها من أقسام العلوم.
ب ـ مفهوم النوع والجنس. النوع عبارة عن المفهوم الصادق على أفراد متفقة الحقيقة ، كما أنّ الجنس عبارة عن مفهوم صادق على أفراد مختلفة الحقيقة. ومن المعلوم أنّ مفهومي النوع والجنس بهذا المعنى ، من مخترعات الذهن ، وليسا وليدَيْ اتّصاله بالخارج ، إذ ليس في الخارج شيء نسمّيه نوعاً أو نسميه جنساً.
فهذه المفاهيم ، كموصوفاتها ، كلُّها علوم تحصل للإنسان بجهود ذهنية جبّارة ، وعمليات فكرية عميقة ، فيقال : الإنسان نوع ، والحيوان جنس.
ج ـ المعرِّف والحجة. هما من المصطلحات الفلسفية ، والغاية منهما رفع الإبهام عن المفاهيم التصورية والتصديقيّة. فالحيوان الناطق بالنسبة إلى الإنسان معرِّف ، كما أنّ الصغرى والكبرى بالنسبة إلى النتيجة حجّة. وبما أنّ المطلوب منهما هو التعرّف على التصورات والقضايا الكليّة ، فالمعرِّف يجب أن يكون ـ مثل الحجة ـ قضية كليّة. ومثل هذا لا يوجد إلّا في محيط الذهن دون الخارج ، لأنّ الخارج مقرّ الجزئيات ، ومصدر المتشخصات. فالتعبير المزبور لا يشمل المعرِّف والحجّة.
د ـ المسائل الرياضية والهندسية. إنّ المسائل الرياضية والهندسية مسائل