يقول سبحانه : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (١).
يقول العلامة محمد حسين الطباطبائي (١٣٢١ ـ ١٤٠٢ ه) : الجهر بالقول ، رفعُ الصوت به. والإسرار خلافه. قال تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) (٢). و «أخفى» : أَفْعَل التفضيل من الخفاء ، وذِكْر الجهر بالقول في الآية أولاً ، ثمّ إثبات العلم بما هو أدقّ منه ، وهو السرّ ، والترقّي إلى أخفى ، يدلّ على أنّ المراد إثبات العلم بالجميع ، والمعنى : وإن جهرت بقولك وأعلنت ما تريده ، أو أسررته في نفسك وكتمته ، لا بل كان أخفى من ذلك ، بأن كان خفياً حتّى عليك نفسك ، فإن الله يعلمه (٣).
فالآية تدلّ على أنّ هناك أشياء في الضمير الإنساني ، مكتومة على الإنسان نفسه ، لأنّها ليست في عقله الواعي ، بل في عقله الباطن الّذي لا تتجلى سرائره وخفاياه إلّا في حالات خاصة كما ذكرنا.
وروى الصدوق في معاني الأخبار عن محمد بن مسلم ، قال : «سألت أبا عبد الله (الإمام الصادق) عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) ، قال : «السرّ ما أكننته في نفسك ، و «أخفى» : ما خطر ببالك ثمّ أنسيته» (٤).
وقال الإمام علي عليهالسلام في إشارة واضحة إلى العقل الباطن الّذي يختفي عند سيادة العقل الواعي ، ثمّ يظهر على حين غرّة عند كبوته أو خضوعه للمؤثرات النفسية القوية : «ما أَضْمَرَ أحدٌ شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه» (٥).
وقال عليهالسلام في الدعاء الّذي علّمه لكميل بن زياد النخعي : «إلهي
__________________
(١) طه : ٧.
(٢) المُلْك : ١٣.
(٣) الميزان في تفسير القرآن : ١٤ / ١٣٢.
(٤) معاني الأخبار : ١ / الباب ٨٢ ، ص ١٤٣ ، الحديث الأوّل. ورواه الطبرسي في مجمع البيان عن السيدين الباقر والصادق عليهماالسلام : ٤ / ٣.
(٥) نهج البلاغة ، قصار الحكم ، الرقم ٢٦.