أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتّى تحتاجَ إلى دليل يدلّ عليك؟!
ومتى بَعُدتَ حتّى تكون الآثار هي الّتي توصل إليك؟!».
ثمّ يقول عليهالسلام في آخر هذه المناجاة الشريفة الجليلة :
«يا من تجلّى بكمال بهائه ... كيف تخفى وأنت الظاهر؟!
أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟!» (١).
هذه البراهين العقلية ـ وغيرها ـ تأخذ يد المتحرّي للحقيقة وتوصله إلى عالم الغيب إيصالاً عقليّاً وعلمياً ، إلى حدٍّ يصير ذهن الحكيم المتأله ، عالماً علمياً مضاهياً للعالم الواقعي. فمن قَصَّر النظر عن هذه الأدلة ، وخصّه بالتجربة ونحوها ، فلا يلومَنّ إلّا نفسه.
وها قد آن الأوان لنميط اللثام عمّا أردناه ، فنقول :
إنّ العقل الباطن الّذي اكتشفه فرويد ونظراؤه ، من العقل الظاهر ، وبنوا عليه نظريات علم النفس الحديث ، هل يمكن أن يقع في إطار التجربة مباشرة ، وهل يمكن رؤيته تحت المجهر أو إدخاله في أنابيب الاختبار ، أو طرحه على مناضد التشريح؟ ، قطعاً لا. فلما ذا إذن لا ينكرون على فرويد وأمثاله هذا النوع من الأبحاث ، وينكرون علينا استكشافنا عالم الغيب من عالم الشهود؟!.
ومثل ذلك يقال في ما ذكرنا من أنّ الإنسان يستكشف من توارد النسب على شيء واحد ، ونسبة كل شيء إليه حتّى عمليات الأعضاء : جوارحها وجوانحها ، يستكشف وجود جوهر مجرّد ، عالٍ عن المادة وشوائبها.
وكذلك الرؤى الصادقة الّتي تنبئ عن الحوادث قبل وقوعها.
وكذلك غيره ممّا هو شائع في العلوم الطبيعية ، مثل ما حصل في اكتشاف الكوكب السيّار «نبتون» (٢) ، فإنّ جميع ذلك يدلّ على أنّ الاطّلاع على الغيب ،
__________________
(١) الإقبال ، لابن طاوس (المتوفّى عام ٦٦٤ ه) : ٣٣٩.
(٢) سنستعرض هذه الواقعة وواقعة أُخرى في ملحق خاص آخر الكتاب ، لاحظ الملحق رقم (٢).