عروض في الخارج ، وإن كان الاتّصاف ـ أي اتّصاف زيد بالأُبوة ـ فيه ، فيقال : هذا أب لذاك. وهذا هو المعقول الثانوي باصطلاح الفلسفة(١).
وبذلك يظهر أنّ هاهنا مفاهيم كثيرة من هذا القبيل ليس لها شيء يحاذيها في الخارج، ومع ذلك تتصف الأشياء بها ، وتلك كالشيئية والإمكان. فالشيئية العامة لا يحاذيها شيء ، إذ لا يمكن أن يقال : هذه هي الشيئية. ومع ذلك ، فالأشياء تتصف بها ، فيقال : هذا شيء.
ومثلها الإمكان : فإنّ حقيقة الإمكان هي سلب ضرورة الوجود والعدم عن الماهية. والسلب أمر عدمي ، لا يحاذيه شيء في الخارج ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ هذا الإمكان يعرض الماهية. ومع ذلك تتصف الماهية الموجودة ، به. فيقال : الإنسان الموجود ممكن.
إذا علم هذا التقسيم ، يتضح أنّ التعريف المزبور للعلم ، كما لا يعم المعقولات الثانوية في اصطلاح المنطقيين ، لا يعم المعقولات الثانوية في اصطلاح الفلاسفة ، فإنّ حصول الصورة من الخارج ، فرعُ أن يكون للعارض وجودٌ خارجيٌّ قابلٌ للدَرْك بإحدى الحواس الخمس ، والمفروض خلافه ، فإنّ الإنسان يقف على تلك المفاهيم بعمليات ذهنية خاصة ، لا بانعكاسها من الخارج.
نعم ، لو لم يكن للإنسان صلة بالخارج ، لما أمكنه الوقوف على هذه المفاهيم ، وهناك فرق بين كون صورة الشيء حاصلة من الخارج مباشَرَةً ، وكَوْن الصلة بالخارج شرطاً أو معدّاً ، تعطي النفس ذلك الاستعداد الخاص لانتزاع تلك المفاهيم. فالنفس في هذه المرحلة أشبه بالشجرة المثمرة ، فإنّها تنتج الثمار من صميم ذاتها ، وإن كانت صلتها بالخارج ـ كالشمس والأرض والمياه ـ تعطيها الاستعداد لإنتاج تلك الثمار.
* * *
__________________
(١) أما تسميتها بالثانوية ، فلأنّها لا تعقل إلّا وقد عُقل قبلها شيء آخر هو المعروض ، أعني الذات المتّصفة بالأُبوة في هذا المثال ، أو بالشيئية والإمكان في المثالين الآيتين.