وإنّما الموجود هو الواحد المنطبق على الموجود الواحد. وأمّا الاثنان ، فإنّما ينتزعها العقل من ضم واحد إلى واحد آخر ، وهكذا بقية الأعداد. وليس وراء الواحدين مصداق آخر للاثنين، وإلّا لزم أن يكون كلُّ اثنين ثلاثة : اثنان هما الواحدان ، والثالث شيء آخر يسمى باسم الاثنين.
فللإنسان علم بالأرقام ، ومع ذلك ليس علمه بها رهن اتّصاله بالخارج.
ومثل الرقم ، الخط والنقطة والسطح. فالنقطة هي آخر الخط ، والخط هو آخر السطح ، والسطح آخر الجسم ، وهي كلها أُمور ينتزعها الذهن بعملياته الفكرية ، ولا تحقق لها في الخارج. وذلك لأنّ النقطة هي الجزء غير المنقسم من الخط ، والخط هو الجزء غير المنقسم من السطح ، والسطح هو الجزء غير المنقسم من الجسم. والجزء غير المنقسم لا خارجاً ولا عقلاً ، الّذي يعبر عنه بالجزء الّذي لا يتجزأ ، غير موجود في الخارج ، وقد أقاموا براهين على امتناعه أوضحها أنّ هذا الجزء المفروض أنّه غير منقسم إمّا شرقه غير غربه ، وجنوبه غير شماله ، أو لا. فعلى الأول يتجزّأ عقلاً ، وعلى الثاني يلزم عدم كونه موجوداً ، ويساوق كونه معدوماً. وهناك براهين أُخر يرجع إليها في محلها(١).
ونكرر هنا ما تقدم من أنّ هذه المفاهيم الّتي يصنعها الذهن في محيطه ، وإن كانت غير موجودة في الخارج ، ولم يصل إليها الذهن من طريق الحواس الظاهرة ، غير أنّه لو لا صلة الذهن بالخارج ، لما كان قادراً على تصوُّر المعدومات والمحالات ، وقد تقرر في الفلسفة الإسلامية أنّ العلوم الحسية تعطي النفس قدرة وخلّاقيّة لصنع تلك المفاهيم وانتزاعها وإدراكها.
* * *
__________________
(١) بإمكانك أن تلاحظ شرح المنظومة ، لناظمها ، غرر في إبطال الجزء الّذي لا يتجزّأ ، ص ٢٢٢ ـ ٢٢٧ ، من قول الحكيم السبزواري :
تَفَكُّكُ الرَّحى ونَفْيُ الدائرة |
|
وحُجَجٌ أُخرى لديهم دائرة |
مُبْطِلَةُ الجواهِر الأَفرادِ |
|
في واجبِ القَبولِ للأبعَادِ |
ولاحظ أيضاً : كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ، للعلّامة الحلي ، الأُمور العامة ، الأصل الخامس ، أدلّة المثبتين والنافين للجوهر الفرد. وهذا الكتاب نقوم بتحقيقه ، فأسأل الله تعالى التوفيق لإتمامه.