وإلى هذا الإشكال يشير صدر المتألهين بقوله : «إنَّ العلم ، بما أنّه من صفات النفس ، يجب أن يكون من مقولة الكيف ، ومن حيث إنّ حقيقة المعلوم وجدت في الذهن، وجب أن يكون من مقولة المعلوم ، فيلزم أن تكون حقيقة واحدة من مقولتين» (١).
ويقول أيضاً في الفصل الّذي عقده لحلّ إشكالات الوجود الذهني : «إنّ الحقائق الجوهرية ، بناءً على أنّ الجوهر ذاتي لها ـ وقد تقرر عندهم انخفاظ الذاتيات في أنحاء الوجودات ، كما تسوق إليه أدلّة الوجود الذهني ـ يجب أن تكون جوهراً أينما وجدت ، وغير حالّة في موضوع ، فكيف يجوز أن تكون الحقائق الجوهرية موجودة في الذهن ، أعراضاً قائمة به؟
ثمّ إنّكم قد جعلتم جميع الصور الذهنية كيفيات ، فيلزم اندراج حقائق جميع المقولات المتباينة بالنظر إلى ذواتها ، مع الكيف ، في الكيف» (٢).
وإليه يشير الحكيم السبزواري بقوله :
والذاتُ في أنحاء الوُجوداتِ حُفِظ |
|
جَمْعُ المُقابِلَيْنِ فيه لُحظْ |
فَجَوْهَرٌ مع عَرَضٍ كَيْفَ اجتَمَعْ |
|
أمْ كَيْفَ تَحْتَ الكَيْفِ كلّ قَدْ وَقَعْ |
وقد مال القوم يميناً ويساراً في حلّ الإشكال ، ونكتفي نحن في المقام بذكر أقرب الأجوبة إلى الصواب(٣).
__________________
(١) الأسفار الأربعة : ١ / ٣٢٥.
(٢) الأسفار الأربعة : ج ١ المنهج الثالث في الإشارة إلى نشأة أخرى للوجود غير هذا المشهود ، الفصل الثالث : ٢٧٧.
(٣) وأمّا الأجوبة الّتي لم يتعرض لها الأُستاذ ـ دام ظله ـ فإليك بيان رءوسها :
١. إنكار الوجود الذهني من أساس.
٢. التفريق بين القيام بالذهن والحصول فيه ، ذهب إليه المحقق القوشجي (لاحظ الأسفار : ١ / ٢٨٢).
٣. القول بالأشباح ، أي أنّ الموجود في الذهن شبح الخارج ، لا نفسه (لاحظ الأسفار : ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥).
٤. القول بالانقلاب وأنّ الجوهر الخارجي إذا وجد في الذهن ينقلب كيفاً (لاحظ الأسفار : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٨) ولاحظ شرح المنظومة لناظمها : ٢٥ ـ ٢٨ ، تجد تفصيل ذلك كلّه.