وأمّا الثاني ، أعني كونه غير مانع ، فلأنّ صورة الشيء موجودة أيضاً في الأحوال الثلاثة : الظن والشك والوهم ، بل في الجهل المركب أيضاً.
وذلك لأنّ الظن بمضمون خبرٍ ما عبارة عن ترجيح مضمونه على ما يخالفه مع تجويز الطرف الآخر ، كالتساوي في المثال المذكور مع تجويز عدم التساوي.
والوهم هو حكم الطرف المرجوح.
والشكَّ بالمضمون عبارة عن تساوي الطرفين في النفس.
ففي هذه الأقسام الثلاثة ، صورة الشيء موجودة في النفس وإن لم يكن هناك حكم قطعي ، فيلزم أن يكون الوهم والشك من أقسام العلم ، مع أنّها من أضداده.
بل يمكن أن يقال : إنّ صورة الشيء موجودة في الذهن في حالة الجهل المركب ، وهو أن يجهل شيئاً ولا يلتفت إلى أنّه جاهل به ، بل يعتقد بأنّه عالم به. كما إذا اعتقد بأنّ فيالدار شخصاً ، وكان الواقع على خلافه. فلا شك أنّه تصوّر الدار والشخص والنسبة بينهما ، غاية الأمر أنّ حكمه كان على خلاف الواقع. فحصلت إذن صورة من الشيء عند العقل.
وقد أشار إلى هذا الإشكال القاضي الإيجي (٧٠٠ ـ ٧٥٦ ه) ، في المواقف ، وقال شارحه السيد الشريف الجرجاني (٨١٦ ه) : «هذا التعريف يتناول الظن ، والجهل المركب ، والتقليد ، بل الشك والوهم. وتسميتها علماً يخالف استعمال اللغة والعرف والشرع» (١).
ثمّ إنّ الشيخ الحجّة المظفر قد جعل الظن من أقسام التصديق قائلاً بأنّه من أدنى قسميه (٢) ، وهو كما ترى ، إذ ليس في الظن حكم ، لأنّ التصديق فعل النفس ، وهو دائر بين الوجود والعدم ، فلو كان هناك حكم ، يكون حكماً باتاً وجازماً ، وإلّا فلا. وأمّا الحكم الظني فمعناه أنّه يحكم تسعين بالمائة ، لا مائة بالمائة ، وهذا يساوق عدم الحكم.
__________________
(١) شرح المواقف : ١ / ٧٦.
(٢) المنطق : ١٨.