وقد أشار إلى ذلك الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام بقوله : «لو أَنَّ الباطلَ خلص من مزاج الحق ، لم يَخْفَ على المرتادين. ولو أَنَّ الحق خلص من الباطل ، انقطعت عنه ألسنة المعاندين ، ولكن يُؤخذ من هذا ضِغْثٌ ومن هذا ضِغْثُ ، فيمزجان» (١).
٣. لو صحّت هذه النظرية ، لجاز لنا أن نطبق على حياة الإنسان كل ما نستشكفه من السنن الجارية في الطبيعة ، وهذا يؤدّي إلى نتائج وخيمة لا يمكن أن يرضى بها عاقل.
مثلاً : لو وجب أن تكون الإيديولوجية انعكاساً لما يجري في الطبيعة ، لكان اللازم اتّخاذ ناموس تنازع البقاء وناموس الانتخاب الطبيعي ـ الذين هما من الأركان الأربعة لنظرية النشوء والارتقاء في مذهب داروين (٢) (١٨٠٩ ـ ١٨٨٢ م) ـ أُسوة في الحياة.
ونتيجةُ اعتماد إيديولوجيةٍ محاكيةٍ لهذين الناموسين ، هي لزوم إبقاء فتيل الفتن والحروب بين الضعفاء والأقوياء ، مشتعلاً ، بشكل دائم ومستمر ، حتّى يتغلّب الأقوياء على الضعفاء. ولا لَوْم على أي مجرم يُشعل حرباً ضروساً ، ويُهلكُ الحَرْث والنسل ، ويعذِّبُ البشريةَ ، ويدمر الحضارة لأنّ ذلك واجب : سنة عمليةً محاكيةً للسنة النظرية!!. هذا ما لا يقبله عاقل ، ولا يرضاه ضميرٌ حيٌّ.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة (٥٠).
(٢)niwraD. انكليزي.
والأُصول الأربعة الّتي بنى عليها نظريته في نشوء الكون وارتقائه هي :
١. ناموس تنازع البقاء ، ويعني أنّ هناك كفاحاً مستمراً بين أفراد الأحياء (أي الحيوانات) لأجل البقاء.
٢. ناموس الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح ، ويعني أنّ من امتلك صفات تؤهله للغلبة والبقاء ، كُتب له البقاء ، ومن لم يمتلك ما يؤهله لذلك انقرض وفنى. وبهذا يؤدّي الانتخاب الطبيعي ، الّذي يحركه الصراع للبقاء ، إلى بقاء الأصلح.
٣. ناموس الوراثة ، وهو انتقال الصفات بالوراثة إلى الأخلاف.
٤. ناموس الملاءمة للبيئة ، ويعني أنّ التغيّرات الحاصلة في الكائن الحي ، تفرضها عليه البيئة.