ومستمر ، أُسوةً بتلك السنّة الطبيعية ، وأنّ التكامل الاجتماعي لا يتحقق إلّا في ظلّ هذه الثورات الّتي هي انتقال دفعي من حالة إلى أُخرى.
ولكن هذه النظرة باطلة جداً ، بل الإنسان الحرّ ينظر إلى المجتمع ، فإن كان غارقاً في الفساد الإداري ، والاستبداد والظلم ، حكم بلزوم قَلْبه وتغييره وتأسيس نظام عادل جديد ، وأمّا إذا كان المجمع مستقراً ، والفساد فيه سطحياً ليس مستشرياً في الجذور ، وكان المصلحون وأصحاب الهمم العالية متواجدون في جميع أجهزة الحكومة ، فلا ريب أنّ تكامله رهن الإصلاح الهادي والتدريجي ، لا الدفعي. فالدواء ليس هو الثورة ، بل الإصلاح ولو بدونها.
وهذا يثبت اختيار الإنسان وحريته ، وأنّه ليس مكتوف اليدين أمام الطبيعة وسننها ، بل له موقف انتخاب الأصلح له ولمجتمعه.
٢. إنّ الذين تبنّوا علّية السُّنن الطبيعية للحِكَم العمليّة ، إنّما تبنّوا ذلك ليبرروا إيديولوجيتهم (١) وأفكارهم الثورية ، فوجدوا في هذه النظرية ، مضافاً إلى أصل «قفزات التطور» من أُصول الديالكتيك الهيجلي ، خير غطاء لإعطاء الشرعية لثورة البروليتاريا (الطبقة العمالية) على الرأسماليين والإقطاعيين. فلم تكن إيديولوجيتهم منطلقة من النظرة العامة إلى الكون ، بل كانت الإيديولوجية المتبناة مسبقاً عندهم ، سبباً لأن يتبنوا تلك النظرية ، وينتخبوا ذلك الأصل المزعوم.
وليست هذه الطريقة بدعاً لديهم ، بل هي ديدن أصحاب الضلالات الأباطيل عبر العصور ، فإنّ ضلالاتهم إنّما تجذب إليها الأفئدة والنفوس ، إذا اتّخذت لنفسها واجهة علمية ، ولبست لباساً منطقياً ، وصُبغت بصبغة الحق.
__________________
(١) الإيديولوجية (ygoloedi (كلمة (oedi (بمعنى الفكر ، (ygol (بمعنى العلم والمعرفة. وكانت سابقاً تطلق على كل ما يحمله الفكر الإنساني من عقائد وعلوم ومعارف ، ولكن هذا الاصطلاح تطور لاحقاً وصار يطلق أخيراً على كل ما يتبناه الإنسان في حياته الاجتماعية والسياسية ممّا يلزمه العمل به لأجل حياة أفضل. وشاع إطلاقها على برامج الحزبيين والسياسيين وآرائهم الّتي يدّعون أنّ السعادة في إجرائها. فلو أُطلق في هذه الأيام ، فلا يراد إلّا هذا المعنى الأخير ، وعليه جَرَيْنا في الاستعمال.