عملية فكرية ، فهذا هو العلم الضروري. وإن كان متوقفاً عليه ، بأن يتوسل بالمعلومات عنده إلى العلم به ، فهذا هو النظري والكسبي ، فلا يستطيع الإنسان حلّ المعادلات الجبرية بلا توسيط معلومات وتنظيمها على وجه صحيح.
هذا هو التعريف الواضح ، وقد ذكر المتكلمون تعاريف أُخر (١).
ونَزيد بياناً على ذلك بأنّ انقسام كل من التصور والتصديق إلى الضروري والكسبي ، أمر يدركه الإنسان بالوجدان أولاً ، وبالبرهان ثانياً. إذ لولاه لانغلق باب المعرفة ، ولزم الدور والتسلسل ، فإنّه إذا كان كل واحد من التصور والتصديق نظرياً ، فإذا حاولنا تحصيل شيء منهما ، فنحتاج إلى تصوّر وتصديق آخر هو أيضاً نظري مستند إلى غيره من التصورات أو التصديقات ، فإمّا أن يدور الاستناد في مرتبة من المراتب أو يتسلسل إلى ما لا يتناهى ، وكلاهما باطل وممتنع ، فما يتوقف عليهما يكون باطلاً ممتنعاً. فيلزم أن لا يكون شيء من التصور أو التصديق حاصلاً لنا ، وهو باطل جداً (٢).
نظرة أُخرى في التقسيم
قال البغدادي : العلوم عندنا قسمان :
أحدهما : علم الله تعالى ، وهو علم قديم ، ليس بضروري ولا مكتسب ، ولا واقع عن حسّ ولا عن فكر ونظر ، وهو مع ذلك محيط بجميع المعلومات على التفصيل ، يعلم بعلم واحد أزلي غير حادث.
وثانيهما : علوم الناس وسائر الحيوانات ، وهي ضربان : ضروري ومكتسب.
ثمّ قال : العلم الضروري قسمان : علم بديهي ، وعلم حسيّ ، وعَدَّ
__________________
(١) لاحظ أُصول الدين ، للبغدادي ، (المتوفّى ٤٢٩ ه) ، ص ٨ ـ ٩. وشرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني (المتوفّى ٨١٦ ه) ، ج ١ ، ص ٩٠ ـ ٩٥ ، وقد ذكر تعريفاً للقاضي الباقلاني وناقش فيه.
(٢) وقد أُورد على هذا الاستدلال ما هو مذكور في شرح المواقف ، فمن أراد فليرجع إليه : ١ / ٩٨.