للإمام عبد القاهر البغدادي (٤٢٩ ه) تقسيم آخر ، من جهة أُخرى.
فقد قسّم العلوم النظرية إلى أربعة أقسام :
١. استدلال بالعقل من جهة القياس والنظر.
٢. معلوم من جهة التجارب.
٣. معلوم من جهة الشرع.
٤. معلوم من جهة الإلهام في بعض الناس.
ومثّل للقسم الأخير بالعلم بذوق الشعر وأوزان أبياته في بحوره ، قال : «وقد يعلم هذا الوزن أعرابي ، ويذهب عن معرفته حكيم يعرف قوانين أكثر العلوم النظرية. وقد احتال أهل العروض في استنباط أُصول عرفوا بها أوزان بحور الشعر ، غير أنّ الشعر قد طبع على ذوق من لم يعرف العروض ولا القياس في بابه ، وما ذاك إلّا تخصيص من الله تعالى له به. وكذلك العلم بصناعة الألحان ، غير مستنبط بالقياس ولا مُدْرَك بالضرورة الّتي يشترك فيها العقلاء ، ولكنها من الخصائص الّتي يعلمها قوم دون قوم» (١).
يلاحظ عليه
أوّلاً ـ إنّ التجارب داخلة في الاستدلال العقلي ، لما سيوافيك من أنّ التجربة وحدها لا تفيد اليقين ، ما لم ينضمّ إليها حكم عقلي. ولعلّ عدّها قسيماً للاستدلال بالعقل هو لتخصيص الأوّل بالتفكر المحض ، وما ليس فيه ممارسة للتجربة.
وثانياً ـ إنّ العلم بأوزان بحور الشعر والألحان ليس من قسم الإلهام المصطلح ، بل هو من المواهب الفطرية المودعة في خلقة الإنسان.
* * *
__________________
(١) أصول الدين للبغدادي : ١٥.