هل تعلمون أنّكم شككتم أو أنّكم أنكرتم ، وهل تعلمون من الأقاويل شيئاً معيناً؟ فإن اعترفوا بأنّهم شاكون أو منكرون ، وأنّهم يعلمون شيئاً معيناً من الأشياء ، فقد اعترفوا بعلمٍ ما وحقٍّ ما. وإن قالوا : إنّا لا نفهم شيئاً أبداً ، وننكر الأشياء جميعاً حتّى إنكارنا لها أيضاً ، ولعلّ هذا ما يتلفظ به لسانهم معاندين ؛ فسقط الاحتجاج معهم ، ولا يُرجى منهم الاسترشاد ، فليس علاجهم إلّا أن يكلفوا بدخول النار ، إذ النار واللانار واحد ؛ ويضربوا ، فإنّ الألم واللاألم واحد» (١).
وقال الإمام فخر الدين الرازي : «اتّفق أهل التحقيق على أنّ المنازع للأوائل (البديهيات) في التصديقات ، لا يستحق المكالمة والمناظرة ، إذ لا يمكن إقامة البرهان على حقيقة هذه القضية ، والّذي ينازع فيها ، إمّا ينازع لأنّه لم يحصل له تصوّر أجزاء هذه القضية ، وإمّا لكونه معانداً ، وإمّا لأجل أنّه تعادلت عنده الأقيسة المنتجة للنتائج المتناقضة المتقابلة ، ولم يقدر على ترجيح بعضها على بعض.
فإن كان المنازع من القسم الأول ، فعلاجه تفهيم ماهيات تلك القضية.
وإن كان من القسم الثاني ، فعلاجه الضرب والحرق ، وأن يقال له : الضرب واللاضرب ، والحرق واللاحرق واحد.
وإن كان من القسم الثالث ، فعلاجه حلّ شكوكه» (٢).
* * *
__________________
(١) إلهيات الشفاء : ١١ ، ط طهران.
(٢) المباحث المشرقية ، الرازي : ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠. ولاحظ أُصول الدين ، للبغدادي ، : ٦ ، فقد ذَكر مضمون هذا الكلام بعبارة أُخرى.
وما نقلناه وغيره يدلّ على أنّ المتكلمين والفلاسفة الإسلاميين كانوا في القمة من الموضوعيين ، كما كانوا مهتمين بدفع شبهات السوفسطائيين.