فالحسّ عند ديكارت عبارة عمّا يربط الإنسان بالخارج ، ويستفيد منه في حياته العملية ، وليس هو وسيلة للكشف عن الحقيقة.
وبالرغم من أنّ ديكارت كان رجلاً تجريبياً يستفيد من التجربة في مواردها ، إلّا أنّه مع ذلك لا يقيم للحسّ وزناً علمياً ولا يراه كاشفاً عن الحقيقة!.
يقول ديكارت : أنا عند ما أواجه النار أحسُّ بحرارتها وأتخيّل أنّها تشتمل على الحرارة مثلما أحسّها. غير أنّ الّذي يجب الاعتقاد به أنّ النار مشتملة على حقيقة مجهولة إذا واجهتُها أحسّ بحرارة منبعثة منها ، ولا يمكنني الاستدلال بهذا الإحساس على حقيقة النار ، إذ ليس للحسّ بين أدوات المعرفة دور سوى تمييز النافع عن الضارّ والمصالح عن المفاسد ، وليس هو وسيلة لكشف الحقائق.
وبعبارة أُخرى : إنّ الحسّ وسيلة لاتّصال الإنسان بالخارج ، ويوجب خلق صور من العالم الخارجي في أذهاننا. ولكن لا يمكن إثبات أنّ ما ندركه من الصور هو نفس الحقيقة الخارجية.
يقول أحد المحققين في نظرية ديكارت : «التصورات الواردة من الخارج إلى محيط الذهن ، لا تكشف عن أنّ لها مصاديق خارجية. ولو كشفت عن ذلك ، فلا تكشف عن أنّ الموجود في الخارج يطابق ما في الذهن مائة في المائة ، بشهادة أنّ الموجود من صورة الشمس في الذهن يغاير الموجود في الخارج ، للعلم حسب القواعد النجومية بأنّ الشمس الخارجية أكبر ممّا في الذهن بكثير» (١).
٣. الصور المجعولة : وهي التصورات التي تخلقها القوة المتخيلة في الذهن ، وهي لا تكشف عن الواقع أبداً. وهذه كتصور إنسان برأسين ، وفرس بجناحين.
هذا عرض خاطف لعقيدة ديكارت في مجال المعرفة اليقينية ، وفيما يلي تحليلها.
__________________
(١) مسيرة الفلسفة في الغرب ، ل «فروغي» : ١ / ١٥١.