سورة يس
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [يس : ٦].
[إن سأل سائل و] قال : إذا كانت آباؤهم لم ينذروا فبأيّ شيء يحتجّ عليهم! وكيف يعاقبهم على عبادة الأصنام قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١)! وكيف يصحّ أن تخلو أمة من الأمم من نذير ، مع قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢) ؛ وقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٣) وقد علم أنّهم كانوا أمما لا يحصيها كثرة غيره تعالى ، وقرى كثيرة ؛ فكيف هذا! وأيّ شيء المراد به ومعلوم أنّ كلامه تعالى لا يتناقض!.
قال : فإن قال : إنّ «ما» التي في الأمّة المتقدّمة ليست للنفي بل هي للإثبات ، والمعنى فيها : مثل ما أنذر آباؤهم ، أو بمعنى الذي أنذر آباؤهم ، أو زائدة ؛ لأنّ الكلام يتمّ من دونها ؛ لتنذر قوما آباؤهم.
قال : والجواب عن ذلك أنّ هذا تأويل يفسد ، من قبل أنّ المعلوم الذي لا شكّ فيه ولا إشكال أنّ الله تعالى لم يبعث نبيّا بعد عيسى عليهالسلام إلّا المبعوث على فترة من الرسل «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ؛ لأجل ذلك وصفهم بالغفلة لمّا لم ينذر آباؤهم ؛ فثبت بهذا أن «ما» التي في الآية المتقدمة للنفي دون الإثبات ، وأنّ الأخذ بالمعلوم أولى من المظنون.
قال : فإن قيل : إنّ عيسى عليهالسلام قد كان بعث إليهم ، وشاعت شريعته فيهم ، وانتشرت كلمته ، وسار الحواريون بدعوته شرقا وغربا ، سهلا وجبلا.
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ١٥.
(٢) سورة فاطر ، الآية : ٢٤.
(٣) سورة الشعراء ، الآية : ٢٠٨.