سورة عبس
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)) [عبس : ١ ـ ٤].
فإن قيل : أليس قد عاتب الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في إعراضه عن ابن أمّ مكتوم لمّا جاءه وأقبل على غيره وهذا أيسر ما فيه أن يكون صغيرا.
الجواب : قلنا : أمّا ظاهر الآية فغير دالّ على توجّهها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا فيها ما يدلّ على أنّه خطاب له ، بل هي خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه. وفيها ما يدلّ عند التأمل على أنّ المعني بها غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في قرآن ولا خبر مع الاعداء المنابذين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين ؛ ثمّ وصفه بأنّه يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء ، وهذا ممّا لا يوصف به نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم من يعرفه ، فليس هذا مشبها لأخلاقه الواسعة وتحنّنه على قومه وتعطّفه ، وكيف يقول له : «وما عليك الّا يزكى» ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم مبعوث للدعاء والتنبيه؟ وكيف لا يكون ذلك عليه؟ وكان هذا القول إغراء بترك الحرص على إيمان قومه. وقد قيل إنّ هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ، ونحن وإن شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي أن نشكّ إلى أنّها لم يعن بها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأيّ تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلّهي عنهم والإقبال على الأغنياء الكافرين والتصدي لهم؟ وقد نزّه الله تعالى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عمّا هو دون هذا في التنفير بكثير (١).
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦٦.