ـ (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٨].
فإن قيل : كيف يجوز لموسى عليهالسلام أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ)؟.
الجواب : إنّ قوم موسى عليهالسلام كانوا غلاظا جفاة ، ألا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات لما رأوا من يعبد الأصنام : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) وإنّما خرج موسى عليهالسلام خائفا على نفسه من قوم فرعون بسبب قتله القبطي ، فرأى ذلك الرجل يخاصم رجلا من أصحاب فرعون فاستنصر موسى عليهالسلام ، فقال له عند ذلك : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) وأراد : إنّك خائب في طلب ما لا تدركه وتكلّف ما لا تطيقه ، ثمّ قصد إلى نصرته كما نصره بالأمس على الأوّل ، فظنّ أنّه يريده بالبطش لبعد فهمه ، فقال له : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (١). فعدل عن قتله ، وصار ذلك سببا لشيوع خبر القبطيّ بالأمس (٢).
ـ (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص : ٢٦].
فإن قيل : فما الوجه في عدول شعيب عليهالسلام عن جواب ابنته إلى قوله لموسى عليهالسلام : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وهي لم تسأل النكاح ولا عرضت به ، فترك إجابتها عن كلامها وخرج إلى شيء لم يجر ما يقتضيه.
الجواب : إنّها لمّا سألته أن يستأجره ومدحته بالقوة والأمانة ، كان كلامها دالّا على الترغيب فيه والتقريب منه والمدح له بما يدعو إلى إنكاحه ، فبذل له النكاح الّذي يقتضي غاية الاختصاص ، فما فعله شعيب عليهالسلام في غاية المطابقة لجوابها ولما يقتضيه سؤالها (٣).
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ١٩.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٠٣.
(٣) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٩٧.