تعالى سيفعله على كلّ حال ، على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والتذلّل له والتعبّد. فأمّا قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فالشبهة تقلّ فيه ؛ لأنّ ظاهر الكلام يقتضي الخصوص في ذرّيّته الكثير ممن أقام الصلاة (١).
ـ (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [إبراهيم : ٤٠].
أنظر إبراهيم : ٣٥ من التنزيه : ٥٨.
ـ (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [إبراهيم : ٤١].
قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليهالسلام أنّه قال : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) والذي أخبرنا الله تعالى أنّه وعد أباه بالاستغفار دون أمّه ، فقال : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) (٢) وقال : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) (٣) وقال : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (٤).
فما وجه استغفاره لوالديه؟ وهل لأحد أن يقرأ : «رب اغفر لي ولوالدي» بياء ساكنة غير مشدودة؟ فيكون ذلك موافقا لقوله : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٥) ومحقّقا لما وعده به من الاستغفار؟.
الجواب : إعلم أنّا قد بيّنا في كتابنا الموسوم ب «تنزيه الأنبياء والأئمة» القول في استغفار إبراهيم عليهالسلام لأبيه ، بسطناه وشرحناه وفرعناه ، فمن أراد النهاية وقف عليه من هناك (٦).
وفي قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وجهان :
أحدهما : أنّ عند الشيعة الإمامية أنّ الاب الكافر الذي وعده إبراهيم عليهالسلام بالاستغفار لما وعده ذلك بالإيمان ، إنّما كان جدّه لأمّه ، ولم يكن والده على الحقيقة ، وأنّ والده كان مؤمنا. ويجوز أن يكون الأمّ أيضا مؤمنة كوالده ، ويجعل دعاء إبراهيم عليهالسلام لها بالمغفرة دليلا على إيمانها.
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٥٨.
(٢) سورة الممتحنة ، الآية : ٤.
(٣) سورة مريم ، الآية : ٤٧.
(٤) سورة التوبة ، الآية : ١١٣.
(٥) سورة الشعراء ، الآية : ٨٦.
(٦) تقدّم في سورة التوبة ، الآية : ١١٤.