إرشادهم ، والأمم السالفة ؛ وان لم يغشهم العذاب والإهلاك من قبل البحر ، فقد غشيهم عذاب وإهلاك استحقّوهما بكفرهم وتكذيبهم أنبياءهم ، فشبّه بينه وبين هؤلاء من حيث اشتمال العذاب على جميعهم عقوبة على التكذيب.
ورابعها : أن يكون المعنى : فغشيهم من قبل اليمّ ما غشيهم من العطب والهلاك ؛ فتكون لفظة «غشيهم» الأولى للبحر والثانية للهلاك والعطب اللذين لحقاهم من قبل البحر.
ويمكن في الآية وجه آخر لم يذكر فيها ، يليق بمذاهب العرب في استعمال مثل هذا اللفظ ، وهو أن تكون الفائدة في قوله تعالى : (ما غَشِيَهُمْ) تعظيم الأمر وتفخيمه ؛ كما يقول القائل : فعل فلان ما فعل ، وأقدم على ما أقدم ، إذا أراد التفخيم وكما قال تعالى : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) (١) ، وما يجري هذا المجرى ؛ ويدخل في هذا الباب قولهم للرجل : هذا هذا ، وأنت أنت. وفي القوم : هم هم ؛ قال الهذليّ (٢) :
رفوني وقالوا : يا خويلد لا ترع |
|
فقلت ، وأنكرت الوجوه : هم هم (٣) |
وقال أبو النجم :
أنا أبو النّجم ، وشعري شعري (٤)
كلّ ذلك أرادوا تعظيم الأمر وتكبيره (٥).
ـ (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩]
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية : ١٩.
(٢) هو أبو خراش الهذلي.
(٣) ديوان الهذليين : ٢ / ١٤٤. ورفوني : سكنوني ، وأصلها : «رفئوني» ، بالهمز.
(٤) معاهد التنصيص ، وبعده :
لله درّي ما يجنّ صدري
(٥) الأمالي ، ١ : ٣٣٩.