علي بن إسماعيل اليزيديّ قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : تكلّمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت ، وهي عند الحجاج ، فقال لها : أتلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟! فقالت : أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصارية؟ قال :
وما هو؟ قالت : قال :
منطق صائب وتلحن أحيا |
|
نا وخير الحديث ما كان لحنا |
فقال لها الحجاج : إنّما عنى أخوك اللحن في القول ؛ إذا كنّى المحدّث عمّا يريد ، ولم يعن اللحن في العربية ، فأصلحي لسانك.
وقد ظنّ عمرو بن بحر الجاحظ مثل هذا بعينه وقال : إن اللّحن مستحسن من النساء الغرائر (١) وليس بمستحبّ منهن كلّ الصواب والتشبّه بفحول الرجال ، واستشهد بأبيات مالك بعينها ، وظنّ أنّه أراد باللحن ما يخالف الصواب. وتبعه على هذا الغلط عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ ، فذكر في كتابه المعروف بعيون الأخبار أبيات الفزاريّ ، واعتذر بها من لحن أصيب في كتابه.
[أقول] : وأخبرنا المرزبانيّ قال أخبرني محمّد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني يحيى بن علي المنجّم قال حدّثني أبي قال : قلت للجاحظ : مثلك في عقلك وعلمك بالأدب ينشد قول الفزاريّ ويفسّره علي أنّه أراد اللحن في الإعراب! وإنّما أراد وصفها بالظّرف والفطنة وأنها تورّي بما قصدت له وتتنكّب التصريح به ، فقال له : قد فطنت لذلك بعد ، قلت : فغيّره من كتابك ، فقال : كيف بما سارت به الركبان! قال الصّوليّ : فهو في كتابه على خطئه (٢).
ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)) [الحجر : ٣٠ ـ ٣١]
أنظر المقدّمة الثانية ، الأمر السادس.
ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣].
__________________
(١) حاشية بعض النسخ : جمع غريزة ؛ وهي التي لم تجرب الأمور.
(٢) الأمالي ، ١ : ٤٠.