العهد ، وكلّ ذلك يقع على اسم اليد. ولمّا كان ما يعظ به الأنبياء قومهم وينذرونهم به إنّما يخرج من أفواههم ، فردّوه وكذّبوه قيل : إنّهم ردّوا أيديهم في أفواههم ، أي إنّهم ردّوا القول من حيث جاء. قال : ولا يجوز أن يكون الضمير في ذلك للمرسل إليهم كما تأوّله بعض المفسّرين ، وذكر أنّ معناه أنّهم عضّوا عليهم أناملهم غيظا ؛ لأنّ رافع يده إلى فيه ، والعاضّ عليها لا يسمّ رادّا ليده إلى فيه ، إلّا إذا كانت يده في فيه فيخرجها ثمّ يردّها».
[أقول] : وليس ما استنكره أبو مسلم من ردّ الأيدي إلى الأفواه بمستنكر ولا بعيد ، لأنّه قد يقال : ردّ يده إلى فيه ، وإلى وجهه ، وعاد فلان يقول كذا ، ورجع يفعل كذا ؛ وإن لم يتقدّم ذلك الفعل منه. ولو لم يسغ هذا القول تحقيقا ، لساغ تجوّزا واتّساعا ؛ وليس يجب أن تؤخذ العرب بالتحقيق في كلامها ؛ فإن تجوّزها واستعاراتها أكثر ، على أنّه يمكن أن يكون المراد بذلك أنّهم فعلوا ذلك الفعل شيئا بعد شيء ، وتكرّر منهم ، فلهذا جاز أن يقول : ردّوا أيديهم في أفواههم ، لأنّه قد تقدّم منهم مثل هذا الفعل ، فلمّا تكرّر جازت العبارة عنه بالرّد ، وهذا يبطل استضعافه للجواب إذا صرنا إلى مراده (١).
ـ (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [إبراهيم : ١١].
أنظر يونس : ٩٤ من الأمالي ، ٢ : ٣١٧.
ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) [إبراهيم : ٢٢].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) [إبراهيم : ٢٥].
وممّا يجوز أن يظن انفراد الإمامية به ، أنّ من حلف أن لا يكلّم زيدا حينا وقع على ستة أشهر ، وقد وافق الإمامية أبو حنيفة في ذلك (٢) ، والشافعي يذهب
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٣٥٢.
(٢) الفتاوى الهندية ، ٢ : ١٠٥.