سورة الأنبياء
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء : ٢].
[هذه الآية صريحة في حدوث كلامه ومثله قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥)) (١) وذلك بعد أن بيّن تعالى أن الذكر هو «القرآن» في قوله جلّ اسمه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)) (٢) و (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (٣)].
وليس لأحد أن يقول : إنّما أراد به هاهنا الرسول لا القرآن ، مستشهدا بقوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) (٤).
وذلك أنّ «الذكر» لا يعرف استعماله في الرسول ، والآية التي تلاها (٥) أكثر المفسّرين على أنّ «الذكر» فيها إنّما أراد به القرآن ، وإنّما نصب رسولا بإضمار فعل ، فكأنّه قال : وأرسل رسولا ، ولا يقوّي ذلك أنّه قال : (أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً) ، والإنزال لا يوصف به الرسول وإنّما هو من أوصاف القرآن ، وكيف يحمل ذلك على غير القرآن مع قوله تعالى : (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) وظاهر قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ) لا يستعمل إلّا فيما يتكرّر إيتانه ، والرسول إلى أمّتنا واحد ، فلا يليق معنى «الذكر» في الآية إلّا بالقرآن.
وبعد ، فلو سلم أنّ «الذكر» ممّا يعبّر به من الرسول في بعض المواضع ، كان من المعلوم أنّه مجاز وتوسّع والأصل أن يكون عبارة عن الكلام.
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية : ٥.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٩.
(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ٥٠.
(٤) سورة الطلاق ، الآيتان : ١٠ ـ ١١.
(٥) في الأصل : تلوها.