سورة التّكوير
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)) [التكوير : ٨ ـ ٩].
[إن سأل سائل] فقال : كيف يصحّ أن يسأل من لا ذنب له ولا عقل؟ وأيّ فائدة في سؤالها عن ذلك؟ وما وجه الحكمة فيه؟ وما المؤودة؟ ومن أيّ شيء اشتقاق هذه اللفظة؟.
الجواب : قلنا : أمّا معنى (سُئِلَتْ) ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد أنّ قاتلها طولب بالحجّة في قتلها ، وسئل عن قتله لها ، وبأيّ ذنب كان ؛ على سبيل التوبيخ والتعنيف وإقامة الحجّة. فالقتلة هاهنا هم المسؤولون على الحقيقة لا المقتولة ؛ وإنّما المقتولة مسؤول عنها. ويجري هذا مجرى قولهم : سألت حقي ، أي طالبت به ؛ ومثله قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١) ؛ أي مطالبا به مسؤولا عنه.
والوجه الآخر : أن يكون السؤال توجّه إليها على الحقيقة على سبيل التوبيخ لقائلها ، والتقريع له ، والتنبيه له على أنّه لا حجّة له في قتلها ؛ ويجري هذا مجرى قوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢) ، على طريق التوبيخ لقومه وإقامة الحجّة عليهم.
فإن قيل على هذا الوجه : كيف يخاطب ويسأل من لا عقل له ولا فهم!.
والجواب : أنّ في الناس من زعم أنّ الغرض بهذا القول إذا كان تبكيت الفاعل وتهجينه وإدخال الغمّ عليه في ذلك الوقت على سبيل العقاب لم يمتنع أن
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٣٤.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٦.