والاستعارة فالقياس غير مطرد فيها ، ولهذا لا يسمى آباء أزواج النبيّ أجدادا لنا ، ولا أخواتهن لنا خالات ، ولا يجري القياس في هذا الموضع مجراه في النسب.
وكيف اختص بالخؤولة معاوية دون كلّ إخوة أزواج النبيّ؟ وهلا وصف محمّد بن أبي بكر وعبد الله بن عمر بالخؤولة إن كان القياس مطردا؟ ولكن العصبية تعمي وتصم (١).
ـ (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠].
[إن سأل سائل فقال] كيف يجوز أن تبلغ القلوب الحناجر مع كونهم أحياء ، ومعلوم أنّ القلب إذا زال عن موضعه المخلوق فيه مات صاحبه؟ وعن أيّ شيء زاغت الأبصار؟ وبأيّ شيء تعلّت ظنونهم بالله تعالى؟
الجواب : قيل له في هذه الآية وجوه :
منها : أن يكون المراد بذلك أنّهم جبنوا وفزع أكثرهم لمّا أشرف المشركون عليهم ، وخافوا من بوائقهم وبوادرهم ، ومن شأن الجبان عند العرب إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته ، ولهذا يقولون للجبان : انتفخ سحره ، أي رئته ، وليس يمتنع أن تكون الرئة إذا انتفخت رفعت القلب ، ونهضت به إلى نحو الحنجرة. وهذا التأويل قد ذكره الفرّاء وغيره ، ورواه الكلبيّ عن أبي صالح ابن عبّاس.
ومنها : أنّ القلوب توصف بالوجيب والاضطراب في أحوال الجزع والهلع ؛ قال الشاعر :
كأنّ قلوب أدلّائها |
|
معلقة بقرون الظّباء (٢) |
__________________
(١) الرسائل ، ٤ : ٦٥.
(٢) الأدلاء : جمع دليل ؛ والبيت في وصف فلاة مخيفة ، ذكره ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ٤٨٨ ، ونسبه إلى المرار ، وقال في شرحه : «يريد أن القلوب تنزو وتجب ؛ فكأنّها معلقة بقرون الظباء ؛ لأن الظباء لا تستقر ؛ وما كان على قرونها فهو كذلك».