من لا موعظة له ولا اعتبار كأنّه لا بصر له ؛ من حيث لم ينتفع ببصره ، فجعل أولي الأبصار هم أولي الاعتبار من حيث انتفع أولو الاعتبار بأبصارهم ، وإن لم ينتفع صمّا وبكما وعميا ؛ من حيث أشبهوا بإعراضهم عن الفكر والتأمّل والاعتبار من لا جوارح له. وهذا بيّن لمن تأمّله (١).
ـ (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النور : ٤٥].
أنظر البقرة : ٣١ من الرسائل ، ٣ : ١١٢.
ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [نور : ٥٥].
[حكى القاضي استدلال شيخه «أبي عليّ» بهذه الآية على أن أبا بكر يصلح للإمامة ، قال :] فلم نجد هذا التمكين والاستخلاف في الأرض الذي وعده الله من آمن وعمل صالحا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا في أيّام أبي بكر وعمر ؛ لأنّ الفتوح كانت في أيّامهم وأبو بكر فتح بلاد العرب ، وصدرا من بلاد العجم. وعمر فتح مدائن كسرى وإلى حد (٢) خراسان والشام ومصر [ثمّ كان من عثمان فتح ناحية المغرب] (٣) وخراسان وسجستان وغيرها ، وإذا كان التمكين والاستخلاف الذي تضمنته الآية لهؤلاء الأئمة وأصحابهم علمنا أنّهم محقّون ، فلو لم يكن لهؤلاء لم يصحّ ؛ لأنّه لم يكن لغيرهم الفتوح ، ولو كان لغيرهم أيضا لوجب كون الآية متناولة للجميع (٤) وقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (٥) ولو كان الأمر على ما يقوله كثير من الإمامية أنّهم ارتدّوا بعد نبيّهم صلىاللهعليهوآلهوسلم وخالفوا النصّ الجلي لما كانوا خير أمة ؛ لأنّ أمّة موسى لم يرتدّوا بعد موسى بل كانوا متمسّكين به مع يوشع».
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٢٦٠. وراجع أيضا الرسائل ، ٤ : ١٨.
(٢) في المغني «إلى جهة».
(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من «المغني».
(٤) العبارة في «المغني» ناقصة ومشوشة.
(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.