تعالى قال : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) ، وما رأينا أحدا من المفسّرين لهذه الآية ـ على اختلافهم وذكر أكثرهم كلّ ما تقتضيه وجوه الإعراب في آيات القرآن ـ تعرّض لذكر المفعول ، ولا قال : إنّه ظاهر ولا مقدّر محذوف يدلّ الكلام عليه. وهذا على كلّ حال تقصير ظاهر.
فأمّا قوله تعالى : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) فالمراد به : فيصيب بضرره من يشاء ، ويصرف ضرره عمّن يشاء ؛ فإنّ العادة جارية بأنّ البرد يصيب أرضا ويتعدّى ما يجاورها ويلاصقها.
فأمّا قوله تعالى : (يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) فسنا البرق ضوءه ، وهو مقصور ، وسناء المجد والشرف ممدود ، والهاء في «برقه» راجعة إلى البرد أو السحاب ؛ فقد جرى ذكر كلّ واحد منهما ؛ ويجوز إضافة البرق إليهما.
فأمّا قوله : (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) وقد قرىء «يذهب» بضمّ الياء ؛ فالمراد به أنّ البرق من شدّة ضوئه يكاد يذهب بالعيون ؛ لأنّ النظر إلى ماله شعاع شديد يضرّ بالعين ؛ كعين الشمس وما أشبهها ؛ والقراءة بفتح الهاء أجود مع دخول الباء ؛ تقول العرب : ذهبت بالشيء ؛ فإذا أدخلوا الألف أسقطوا الباء فقالوا : أذهبت الشيء ؛ بغير بإء.
فأمّا قوله (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) فإنّما أراد أنّه يأتي بكلّ واحد منهما بدلا من صاحبه ، ومعاقبا له ؛ لما في ذلك من المصلحة والمنفعة.
فأمّا قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) فإنّما أراد بالعبرة العظة والاعتبار ، وروي عن الحسن أنّه قال : إنّما أراد ذوي أبصار القلوب لا العيون ؛ لأنّ العين لا تضاف إليها العبرة والعظة.
وقال الكلبيّ : لأولي الأبصار في الدين. وردّ قوم على الكلبيّ بأن قالوا : لو أراد ذلك لقال : لأولي البصائر ، لأنّ الدين يقال : فيه بصيرة لا بصر.
والأولى أن يكون المراد بالأبصار هاهنا العيون ، لأنّ بالعيون ترى هذه العجائب التي عدّدها الله تعالى ، ثمّ يكون الاعتبار والعظة في القلب بها ، ويكون