قلنا : يمسكها الله تعالى ، ويسكّنها كما يمسك الأرض والفلك.
وإنّما ينكر هذا أصحاب الطبائع ، الذين لا يقرّون بالخالق جلّت عظمته ، فيذكرون في سبب وقوف الأرض المركز وهو لا يعقل ؛ ولو أثبتوا الصانع جلّت عظمته نسبوا سكون الأرض إليه ، واستغنوا عن تكلّف ما لا يعقل ولا يفهم.
والأولى في تفسير هذا الموضع أن تكون «من» الأولى والثانية لابتداء الغاية ، والثالثة زائدة لا حكم لها ؛ ويكون تقدير الكلام : وينزّل من جبال في السماء بردا ، فزاد «من» كما يزاد في قولهم : ما في الدار من أحد ، وكم أعطيتك من درهم! وما لك عندي من حقّ ؛ وما أشبه ذلك.
وعلامة زيادتها في هذه المواضع أنّك إذا أخرجتها أو ألغيتها كان الكلام مستقلّا لا يتغيّر معناه ، وجرى قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) مجرى قول القائل : كم حملت لك من الكوفة من سوقها من ثوب! والمعنى : كم حملت لك من سوق الكوفة ثوبا!.
والأولى أن يريد بلفظة «السّماء» هنا ما علا من الغيم وارتفع فصار سماء لنا ؛ لأنّ سماء البيت وسماوته ما ارتفع منه ؛ ولأنّ السحاب لا يكون في السماء التي هي الفلك للكواكب ؛ وإنّما هو تحته ، وأراد بالجبال التشبيه ، لأنّ السحاب المتراكب المتراكم تشبّهه العرب بالجبال والجمال ؛ وهذا شائع في كلامها ، كأنّه تعالى قال : وينزّل من السحاب الذي يشبه الجبال في تراكمه بردا ؛ قد ظهر على هذا التأويل مفعول صحيح ل «ننزّل» ولا مفعول لهذا الفعل على التأويلات المتقدّمة.
فإن قيل : إذا جاز أن تجعلوا (مِنْ) الأخيرة زائدة حتى يكون المنزّل هو البرد ، فألّا جعلتم (مِنْ) الثانية هي الزائدة ، ويكون تقدير الكلام : وننزّل من السماء جبالا من برد!.
قلنا : ليس يشبه البرد في نزوله الجبال على وجه ولا سبب ؛ والسّحاب المتراكم يشبه الجبال ، وقد جرت عادة العرب بتشبيهه بها ، فيجب أن تكون الثانية غير زائدة لما ذكرناه ، وتكون الأخيرة زائدة ؛ وإلّا بقيتا بلا مفعول ؛ ولأنّه