قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) وحمل كلامه تعالى على فائدة ولم تستفد أولى (١).
[الثاني :] وممّا يظنّ أنّ الإمامية انفردت به ، وللشافعي (٢) فيه قولان : أحدهما موافق للامامية ، أنّ من حلف بالله تعالى أن لا يدخل دارا أو لا يفعل شيئا ففعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة عليه ، وألزمه باقي الفقهاء الكفّارة (٣) إلّا على أحد قولي الشافعي الذي ذكرناه ، دليلنا على صحة ما ذكرناه وذهبنا إليه الاجماع المتكرر ، وأيضا قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) فإذا قيل : الجناح هو الاثم ، قلنا : قد يعبّر به في القرآن والشريعة عن الاثم وعن كلّ فعل فيجب حمله على الأمرين ما لم يقم دلالة أيضا ؛ فانّ النسيان والاكراه يرفعان التكليف العقلي فكيف لا يرفعان التكليف الشرعي ، وأيضا ، فانّ الكفارة وضعت في الشريعة لازالة الاثم المستحق ، وقد سقط الاثم عن الناسي بلا خلاف فلا كفّارة عليه (٤).
ـ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...) [الأحزاب : ٦]
أنظر المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.
ـ (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
وفسّر ذلك بتفسيرين : أحدهما : أنه تعالى أراد أنهن يحرمن علينا كتحريم الأمّهات ، والآخر : أنه يجب علينا من تعظيمهن وتوقيرهن مثلما يجب علينا في أمّهاتنا. ويجوز أن يراد الأمران معا فلا تنافي بينهما.
ومن ذهب لأجل تسميته بأنهن أمّهات المؤمنين إلى أن معاوية خال المؤمنين فقد ذهب مذهبا بعيدا ، وحاد عن رأي الصواب السديد ؛ لأن أخا الأم إنما يكون خالا إذا كانت الأمومة من طريق النسب ، وأما إذا كانت على سبيل التشبيه
__________________
(١) الانتصار : ٩٩.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ٢٨٩.
(٣) المغني (لابن قدامة) ، ١١ : ١٧٤.
(٤) الانتصار : ١٥٩.