لأنّ القوم خرجوا من قريتهم لعيدهم وتخلف هو ليفعل بآلهتهم ما فعل ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) ، وقوله لسارة : «انها اختي» لجبّار من الجبابرة لمّا أراد اخذها».
قلنا : قد بيّنا بالأدلة العقلية التي لا يجوز فيها الاحتمال ولا خلاف الظاهر ، انّ الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز عليهم الكذب ، فما ورد بخلاف ذلك من الأخبار لا يلتفت إليه ، ويقطع على كذبه إن كان لا يحتمل تأويلا صحيحا لائقا بأدلّة العقل ، فإن احتمل تأويلا يطابقها تأوّلناه ووافقنا بينه وبينها ، وهكذا نفعل فيما يروى من الأخبار الّتي تتضمّن ظواهرها الجبر والتشبيه.
فأمّا قوله عليهالسلام (إِنِّي سَقِيمٌ) ، فسنبيّن بعد هذه المسألة بلا فصل وجه ذلك ، وأنّه ليس بكذب (١) ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) قد بيّنا معناه وأوضحنا عنه.
وأمّا قوله عليهالسلام لسارة : «أنّها أختي» فإن صحّ فمعناه انّها أختي في الدين ، ولم يرد أخوّة النسب.
وأمّا ادّعائهم على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : ما كذب إبراهيم عليهالسلام إلّا ثلاث مرات ، فالأولى ان يكون كذبا عليه ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أعرف بما يجوز على الأنبياء عليهمالسلام وما لا يجوز عليهم ، ويحتمل ـ إن كان صحيحا ـ أن يريد : ما اخبر بما ظاهره الكذب إلّا ثلاث دفعات ، فأطلق عليه اسم الكذب لأجل الظاهر ، وإن لم يكن على الحقيقة كذلك (٢).
ـ (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [الأنبياء : ٧٨].
أنظر البقرة : ٣٦ من الأمالي ، ٢ : ١٣٥ والبقرة : ٧٢ ، ٧٣ من الأمالي ، ٢ : ١٩٢.
ـ (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ
__________________
(١) يأتي في سورة «الصافات» ان شاء الله تعالى.
(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٤٢.