سورة مريم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)) [مريم : ٥ ـ ٦].
[قال السيّد :] فخبر أنه خاف من بني عمّه ؛ لأنّ الموالي هاهنا هم بنو العم بلا شبهة ، وإنّما خافهم أن يرثوا ماله فينفقوه في الفساد ؛ لأنّه كان يعرف ذلك من خلائقهم وطرائقهم ، فسأل ربّه ولدا يكون أحقّ بميراثه منهم ، والذي يدلّ على أن المراد بالميراث المذكور في الآية ميراث المال دون العلم والنبوّة ـ على ما يقولون ـ إن لفظة الميراث في اللغة والشريعة جميعا لا يعهد إطلاقها إلّا على ما يحق وأن ينتقل على الحقيقة من المورث إلى الوارث كالأموال وما في معناها ، ولا يستعمل في غير المال إلّا تجوازا واتساعا ، ولهذا لا يفهم من قول القائل : لا وارث لفلان إلّا فلان ، وفلان يرث مع فلان بالظاهر ، والإطلاق إلّا ميراث الأموال والأعراض دون العلوم وغيرها ، وليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام وحقيقته إلى مجازه بغير دلالة ، وأيضا فإنه تعالى خبر عن نبيّه صلوات الله عليه أنه اشترط في وارثه أن يكون رضيّا ، ومتى لم يحمل الميراث في الآية على المال دون العلم والنبوّة لم يكن للاشتراط معنى ، وكان لغوا عبثا ؛ لأنّه إذا كان إنّما سأل من يقوم مقامه ويرث مكانه فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في جملة كلامه وسؤاله ، فلا معنى لاشتراطه ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول : «اللهمّ ابعث إلينا نبيّا واجعله عاقلا ومكلّفا» فإذا ثبتت هذه الجملة صحّ أن زكريا موروث ماله ، وصحّ أيضا بصحّتها أن نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ممن يورث المال ؛ لأن الإجماع واقع على أن حال نبيّنا عليهالسلام لا يخالف حال الأنبياء المتقدّمين في ميراث المال ، فمن مثبت للأمرين وناف للأمرين.