ـ (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) [الكهف : ٧٣].
تقدّم تفسيرها في الآية السابقة.
ـ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف : ٧٤].
إن سأل سائل فقال : ألستم تزعمون أنّ ما كان في عقولنا حسنا فهو عند الله حسن؟ وما كان قبيحا فهو عند الله تعالى كذلك؟ ولا يجوز أن يكون حسن شيء هو عنده يفيده ولا قبح أمر هو عنده بخلافه.
قلنا : الأمر كذلك.
فان قال : أليس الله تعالى قد قال : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) (١) وقال : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٢) وقد أمر أن يقتل غلام زكي لم يجب عليه أن يقتل ، وقصته في سورة الكهف (٣) ، وذلك الفعل في الظاهر كان عند موسى فظيعا قبيحا وعند الله حسنا.
فيقال له : لمّا تضمّن قتل هذه النفس أمرين حسنتين ومصلحتين عظيمتين ، تناسب كلّ واحد من أبوي الغلام على الإيمان ، وبعدهما من الكفر والطغيان حسن قتله.
فيقول هذا السائل : وإن كان الأمر كذلك ، فليس ذلك بمدخل للغلام في وجوب قتله ، ولا كفر أبويه يلزمه ذنبا ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٤) وقال : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) (٥).
ألا ترون هذا الغلام إذا قال يوم القيامة : بأيّ ذنب قتلت ، لم يكن ذلك ذنبا قد اكتسبه ، وقد كان الله قادرا على إماتة هذا الغلام ، ليكون الغلام بما قضى عليه من منيته داخلا فيما حتمه من الموت على دينه ، ويصير الموت لنفسه
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٥١.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٤٥.
(٣) سورة الكهف ، الآية : ٧٤.
(٤) سورة فاطر ، الآية : ١٨.
(٥) سورة الروم ، الآية : ٤٤.