مرهقا ، ولا يكون بقاؤه بالكفر لأبويه مرهقا ، وليس له بالإماتة أن يقول يوم القيامة : ربّ لم أمتني ، وله أن يقول : إنّي لم قتلت ولا ذنب لي.
ويجيء من هذا أنّ للسلطان إذا علم أنّ في قتل من لم يجب قتله مصلحة ، لا بل مصالح كثيرة ، أن يقتله ، وإذا علم أيضا أن مع الإنسان ما لا يرهقه الطغيان والاستعلاء على ما هو دونه ، والاستذلال للناس أن يأخذ ماله ، لما في ذلك من المصلحة ، وليس الأمر كذلك.
فدلّ هذا على أنّ الله تعالى فاعل ما يشاء وأراد ، وليس لأحد أن يقول : لم لا؟ وكيف؟ ، ولا يعارض ولا يعجب ، قال الله تعالى : (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) (١) وقال : (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) (٢) وقال : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) (٣) فعطف القتل على لقاء الغلام بالفاء ، ولم يدخل في خرق السفينة على الركوب حرف عطف ، ولا في الاستطعام على إتيان أهل القرية عطفا ، لأيّ معنى دخلت الفاء في موضع دون موضع؟ فلا بدّ لذلك في معنى يخصّه.
الجواب : إنّ العلم بحسن الحسن وقبح القبيح لا يختلف بالإضافة إلى العالمين ، ولا فرق في هذا العلم بين القديم تعالى والمحدث.
فأمّا موسى عليهالسلام فإنّما استقبح على البديهة قتل الغلام ؛ لأنّه لم يعرف الوجه الذي هو عليه حسن قتله وقبح تبقيته ، ولو علم ذلك لعلم حسن القتل وقبح التبقية. وإنّما وجب قتل الغلام ؛ لأنّ في تبقيته على ما ذكر الله تعالى في القرآن مفسدة من حيث علم الله تعالى أنّه يدعو أبويه إلى الكفر فيجيبان له ، والمفسدة وجه قبيح ، وليس كلّ وجوه وجوب القتل للاستحقاق بجناية تقدّمت ، بل المفسدة وجه من وجوه القبح. وإذا علم الله تعالى أنّ في التبقية مفسدة وجب القتل.
فأمّا ما مضى في السؤال من أنّه تعالى كان قادرا على إزالة الحياة بالموت من غير ألم ، فتزول التبقية التي هي المفسدة من غير إدخال إيلام عليه بالقتل.
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٧١.
(٢) سورة الكهف ، الآية : ٧٤.
(٣) سورة الكهف ، الآية : ٧٧.