فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن يكون الله تعالى علم أن أبويه لا يثبتان على الإيمان ويعدلان عن الكفر ، إلّا بأن يقتل هذا الغلام ، فيكون هذا وجه وجوب القتل خاصّة دون غيره.
والوجه الاخر : أنّ التبقية إذا كانت هي المفسدة ، والله تعالى مخيّر في إزالتها باتضاد (١) الحياة بالموت من غير المراد بالقتل أيضا ؛ لأنّ القتل وإن كان فيه ألم يلحق المقتول ، فبأزاء ذلك الألم أعواض عظيمة يوازي الإنتفاع بها المضرة بالقتل ، ويزيد عليه أضعاف مضاعفة ، فيصير القتل بالأعواض المستحقّة عليه كأنّه ليس بألم ، بل هو نفع واحسان ، ويجري ذلك مجرى من علم الله تعالى أنّه يؤمن إن فعل به ألما ، كما يؤمن إذا فعل به ما ليس بألم.
فالمذهب الصحيح أنّه تعالى مخيّر في استصلاح هذا المكلّف ، وفعل ما هو لطف له في الإيمان ، بين فعل الآلام وفعل ما ليس بألم ، وإن كان قد ذهب قوم إلى أنّه تعالى ـ والحال هذه ـ لا يفعل به إلّا ما ليس بألم ، وأخطأوا.
وقد بيّنا الكلام في هذه المسألة واستقصيناه في مواضع من كتبنا.
فأمّا إلزامنا أن يكون السلطان متى علم أنّ في قتل بعض الناس مصلحة أن يقتله ، وكذلك في أخذ المال فغير لازم ؛ لأنّ أحدا منّا لا يجوز أن يعلم قطعا المصلحة والمفسدة وانّما يظنّ ذلك والله تعالى يعلمه. ثم إنّ الله تعالى إذا قتل من ذكرنا حاله أو يأمر بقتله ، لضمن إيصاله إلى الاعواض الزائدة النفع على ما دخل عليه من ضرر القتل ؛ لأنّه عالم بذلك وقادر على إيصاله. وأحدنا لا يعلم ذلك ولا يقدر أيضا على إيصاله ، فصادفت حالنا في هذه المسألة حال القديم تعالى.
وأمّا دخول الفاء في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) (٢) وسقوطها من
__________________
(١) كذا في المطبوعة.
(٢) سورة الكهف ، الآية : ٧٤.