تعالى لهم كما حكى عزوجل عنهم في قوله : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ).
وكلّ ما ذكرناه واضح في تأويل الآية وما تعلّق بها (١).
ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) [الأحزاب : ٢١].
اعلم أنّه لا خلاف بين الأمّة في الرجوع إلى أفعاله عليهالسلام في أحكام الحوادث ، كالرجوع إلى أقواله ، فيجب أن يكون كلّ واحد من الأمرين حجّة ، والمعتمد إنّما هو على هذا الإجماع الظاهر الّذي لا شبهة فيه ، دون الأخبار المرويّة في هذا الباب ، فهي مع الكثرة أخبار آحاد. وقد يجوز أن يستدلّ على ذلك بقوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٢) وبقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ) (٣).
واعلم أنّ التأسّي به عليهالسلام إنّما يكون فيما يعلم حكمه بفعله ، دون ما لم يكن له هذا الحكم. وإذا فعل عليهالسلام فعلا على جهة الامتثال ؛ فحكمنا فيه كحكمه ، وماله فعله هو الّذي له نفعله ، فلا تأسّي به عليهالسلام في ذلك ، كما أنّا لا نتأسّى به في العقليّات لهذه العلّة وما يفعله ابتداء شرع ، ففعله هو الحجّة فيه ، فالتأسّي به عليهالسلام في ذلك. فأمّا ما يفعله عليهالسلام بيانا لمجمل فله شبهان ؛ لأنّه من حيث كان امتثالا لدليل سابق ، يشبه ما يفعله امتثالا ، ومن حيث تضمّن بيان صفات وكيفيّات لهذه العبادات ، كالصلاة والطهارة وغيرهما ؛ جرى مجرى ابتداء الشرع ، فالتأسّي به إنّما هو في الكيفيّة والصفة اللّتين فعله عليهالسلام هو الحجّة فيهما. هذا كلّه فيما يفعله عليهالسلام على جهة العبادة ، أو ما يجري مجراها. وأمّا المباحات الّتي تخصّه عليهالسلام كالأكل والنوم فخارج من هذا الباب. فأمّا صغائر الذّنوب ، فإنّا لا نجوّزها على الأنبياء عليهمالسلام فلا نحتاج إلى استثنائها ، كما يحتاج إلى ذلك من جوّز الصغائر عليهم (٤).
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٣٢١.
(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٢١.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٤) الذريعة ، ٢ : ٥٧٦.