ذلك ؛ ومعنى جميع ما ذكرناه المقاربة ، ولا بدّ من إضمار «كاد» فيه؟ وقال جرير :
إنّ العيون التي في طرفها مرض |
|
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا (١) |
وإنّما المعنى أنّهن كدن يقتلننا ؛ وهذا أكثر في الشعر والكلام من أن نذكره.
فأمّا قوله : «يحيين قتلانا» فالأظهر في معناه أنّهن لم يزلن يفعلن ما قاربنا عنده الموت والقتل من الصدود والهجر وما أشبه ذلك ، وسمّى هذه الأمور حياة كما سمّى أضدادها قتلا ، وقد قيل إنّ معنى «يحيين قتلانا» أنّهن لم يدين قتلانا ، من الدّية ، لأنّ دية القتيل عند العرب كالحياة له ، وقد روى : «ثم لم يجنينّ قتلانا» ، وهذه رواية شاذة لم تسمع من عالم ولا محصّل ومعناها ركيك ضعيف ؛ وإذا كان الأمر على ما ذكرناه لم يمتنع أن يقال : قام فلان بمعنى كاد يقوم ، إذا دلّت الحال على ذلك ؛ كما يقال : مات بمعنى كاد يموت.
فأمّا قوله : «فيكون تأويل قوله : قام عبد الله ، لم يقم عبد الله» فخطأ ؛ لأنّه ليس معنى كاد يقوم إنّه لم يقم كما ظنّ بل معناه. أنّه قارب القيام ودنا منه ، فمن قال : قام عبد الله وأراد كاد يقوم ؛ فقد أفاد ما لا يفيده لم يقم.
وأمّا قوله تعالى : (زاغَتِ الْأَبْصارُ) فمعناه زاغت عن النظر إلى كلّ شيء فلم تلتفت إلّا إلى عدوها ، ويجوز أن يكون المراد ب (زاغَتِ) ، أي جارت ومالت عن القصد في النظر دهشا وتحيّرا.
فأمّا قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) ، معناه أنّكم تظنّون مرّة أنّكم تنصرون وتظهرون على عدوّكم ، ومرّة أنّكم تبتلون وتمتحنون بالتخلية بينكم وبينهم.
ويجوز أيضا أن يريد الله تعالى أنّ ظنونكم اختلفت ، فظنّ المنافقون منكم خلاف ما وعدكم الله تعالى به من النصر ، وشكّوا في خبره عزوجل كما قال تعالى حكاية عنهم : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) ، فظنّ المؤمنون ما طابق وعد الله
__________________
(١) ديوانه : ٥٩٥.