غير الإظهار ؛ وإذا كانت بمعنى الإظهار كان الكلام في «كاد» واحتمالها للوجوه الثلاثة التي ذكرناها كالكلام فيها إذا كانت بمعنى الستر والتغطية.
فإن قيل : فأيّ معنى لقوله : إنّي أسترها لتجزى كل نفس بما تسعى ، وأظهرها على الوجهين جميعا؟ وأيّ فائدة في ذلك؟
قلنا : الوجه في هذا ظاهر ، لأنّه تعالى إذا ستر عنّا وقت الساعة كانت دواعينا إلي فعل الحسن والقبيح متردّدة ، وإذا عرّفنا وقتها بعينه كنا ملجئين إلى التوبة ، بعد مقارفة الذنوب ونقض ذلك الغرض بالتكليف واستحقاقّ الثواب به ، فصار ما أريد به من المجازاة للمكلّفين بسعيهم ، واتصال ثواب أعمالهم يمنع من اطلاعهم على وقت انقطاع التكليف عنهم.
فأما إذا كانت لفظة «أخفيها» بمعنى الإظهار فوجهه أيضا واضح ؛ لأنه تعالى إنّما يقيم القيامة ، ويقطع التكليف ليجازى كلّا باستحقاقه ، ويوفّي مستحق الثواب ثوابه ، ويعاقب المسيء باستحقاقه ، فوضح وجه قوله تعالى : (أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) على المعنيين جميعا.
[أقول] وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على جواب من أجاب في قوله : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) بأنّ معناه كادت تبلغ الحناجر ، ويقول : «كاد» لا تضمر ، ولا بدّ من أن يكون منطوقا بها ، ولو جاز ضميرها لجاز : قام عبد الله بمعنى كاد عبد الله يقوم ، فيكون تأويل قام عبد الله لم يقم عبد الله ؛ لأنّ معنى كاد عبد الله يقوم لم يقم ، وهذا الذي ذكره غير صحيح. ونظّنّ أنّ الذي حمله على الطّعن في هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة ، لأنّ من شأنه أن يرّد كل ما يأتي به ابن قتيبة ، وإن تعسّف في الطعن عليه. والذي استبعده غير بعيد ؛ لأنّ «كاد» قد تضمر في مواضع يقتضيها بعض الكلام وإن لم تكن في صريحه ؛ ألا ترى أنّهم يقولون : أوردت على فلان من العتاب والتوبيخ والتقريع ما مات عنده ، وخرجت نفسه ، ولمّا رأى فلان فلانا لم يبق فيه روح ، وما أشبه