المعنى : أريد أخفيها لكي تجزى كلّ نفس بما تسعى. ويجوز أن تكون زائدة ويكون المعنى إنّ الساعة آتية أخفيها لتجزى كلّ نفس.
وقد قيل فيه وجه آخر : وهو أن يتمّ الكلام عند قوله تعالى : (آتِيَةٌ أَكادُ) ، ويكون المعنى : أكاد آتي بها ، ويقع الابتداء بقوله : (أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) ؛ وممّا يشهد لهذا الوجه قول ضابئ البرجميّ :
همتت ولم أفعل وكدت وليتني |
|
تركت علي عثمان تبكي حلائله (١) |
أراد : وكدت أقتله ، فحذف الفعل لبيان معناه.
وروي عن سعيد بن جبير أنّه كان يقرأ : (أَكادُ أُخْفِيها) ، [بفتح الألف] فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها ؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا :
يخفي التّراب بأظلاف ثمانية |
|
في أربع مسّهنّ الأرض تحليل (٢) |
أراد أنّه يظهر التراب ويستخرجه بأظلافه ، وقال امرؤ القيس :
فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه |
|
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (٣) |
أي لا نظهره ؛ وقال النابغة :
تخفي بأظلافها حتّى إذا بلغت |
|
يبس الكثيب تداعى التّرب فانهدما (٤) |
وقد روى أهل العربية : أخفيت الشيء يعني سترته ، وأخفيته بمعنى أظهرته ، وكأنّ القراءة بالضمّ تحتمل الأمرين : الإظهار والستر ، والقراءة بالفتح لا تحتمل
__________________
(١) الشعر والشعراء : ٣١٠.
(٢) من قصيدة مفضلية ٢٦٨ ـ ٢٩٣ بشرح ابن الأنباري. يصف شدّة عدو الثور ، وأنه يثير الغبار بأظلاف ثمانية وأربع قوائم ، مقدار مسهن الأرض تحليل ، أي قول الرجل في يمينه إن شاء الله. وفي حواشي بعض النسخ ؛ التحليل ضدّ التحريم ؛ يقال حللته تحليلا وتحلة ؛ وتقول لم أفعل ذلك إلّا تحلة القسم ؛ أي القدر الّذي لا أحنث معه ، ولم أبالغ فيه ؛ ثمّ توسع فيه ؛ فقيل لكلّ شيء لم يبالغ فيه تحليل ؛ يقال ضربته تحليلا.
(٣) مختار الشعر الجاهلي : ١٣١.
(٤) البيت ليس في ديوانه.