وقال حاكيا عن أبي علي : «وكيف يتصوّر عاقل مع عظم حال الإسلام عند موت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكون الجميع ينقادون لأبي بكر ولا ينكرون إمامته ، وقد نصّ رسول الله نصّا ظاهرا على واحد بعينه فلا يتّخذه أحد إماما ولا يذكرون ذلك. ولو جاز ذلك لجاز أن يكون للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولد ولا نصّ عليه ، ولم يذكر ذلك وكيف يكونون مرتدّين مع أنّه تعالى أخبر أنّه جعلهم (أُمَّةً وَسَطاً) وكيف يصحّ مع قوله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١) وكيف يقول تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) (٢) وكيف يصحّ ذلك مع قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (٣) الآية ، فشهد بمدحهم وبأنّهم غيظ الكفّار ، ونحن نعلم أنّه لا يغيظ الكفّار بستّة نفر على ما يقوله الإمامية ، وكيف يصحّ ما قالوه مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم» وكلّ ذلك يبيّن بطلان قولهم : إنه لم يصلح للإمامة ، وإنه مشكوك في فضله وإيمانه ، ...» (٤).
[يقال له] فأوّل ما في ذلك أن الآية مشروطة بالإيمان ، فيجب على من ادّعى تناولها القوم أن يبيّن إيمانهم بغير الآية وما يقتضيه ظاهرها ، ثمّ المراد بالاستخلاف هاهنا ليس هو الإمامة والخلافة على ما ظنّوه ، بل المعنى فيه بقاؤهم في أثر من مضى من الفرق وجعلهم عوضا منهم وخلفا.
ومن ذلك قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) (٥) وقوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (٦) وقوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) (٧) وقد ذكر أهل التأويل في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١٠٠.
(٢) سورة الحديد ، الآية : ١٠.
(٣) سورة الفتح ، الآية : ٢٩.
(٤) المغني ، ٢٠ : ٣٢٦.
(٥) سورة فاطر ، الآية : ٣٩.
(٦) سورة الأعراف ، الآية : ١٢٩.
(٧) سورة الأنعام ، الآية : ١٣٣.