أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (١) أن المراد به كون كلّ واحد منهما خلف صاحبه ، وأنشدوا في ذلك قول زهير بن أبي سلمى :
بها العين والآرام يمشين خلفة |
|
وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم (٢) |
وهذا الاستخلاف والتمكين في الدين لم يتأخّر إلى أيّام أبي بكر وعمر على ما ظنّه القوم بل كان في أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين قمع الله أعداءه ، وأعلى كلمته ، ونشر رايته ، وأظهر دعوته ، وأكمل دينه ، ونعوذ بالله أن نقول : إنّ الله لم يكن أكمل دينه لنبيّه في حياته حتى تلافى ذلك متلاف بعد وفاته ، وليس كلّ التمكين هو كثرة الفتوح والغلبة على البلدان ؛ لأن ذلك يوجب أن دين الله تعالى لم يتمكّن إلى اليوم لعلمنا ببقاء ممالك الكفرة كثيرة لم يفتحها المسلمون ، ولأنه أيضا يوجب أن الدين تمكّن في أيّام معاوية ومن بعده من بني أميّة أكثر من تمكّنه في أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وعمر ؛ لأنّ بني أميّة افتتحوا بلادا لم تفتتح قبلهم.
ثمّ يقال له : من أي وجه أوجبت كون التمكين فيمن ادّعيت؟ فإن قال : لأني لم أجد هذا التمكين والاستخلاف إلّا في أيّامهم ، وقد بيّنا ما في ذلك ، وذكرنا أن التمكين كان متقدّما وكذلك الاستخلاف على المعنى الذي ذكرناه ، وإن قال : لأنا لم نجد من خلف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقام مقامه إلّا من ذكرته.
قيل له : أليس قد بيّنا أن الاستخلاف هاهنا يحتمل غير معنى الإمامة فلم حملته على الإمامة؟ وبعد فإن حمله على المعنى الذي ذكرناه أقرب إلى مذهبك وأجرى على أصولك ؛ لأنّه إذا حملته على الإمامة لم يعم جميع المؤمنين وإذا حمل على المعنى الذي ذكرناه عمّ جميع المؤمنين.
وبعد ، فإذا سلم لك أن المراد به الإمامة لم يتمّ ما ادّعيته إلّا بأن تدلّ من
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٦٢.
(٢) البيت من المعلقة والعين ـ بالكسر ـ : بقر الوحش ، والآرام : الظبآء واحدها ريم بالفتح ، وخلفة واحدة بعد واحدة ، والاطلاء جمع طلا وهو ولد الظبي الصغير ، والمجثم : الموضع الذي يجثم فيه الطائر ، أو بمعنى الجثوم ـ مصدر ـ أراد إن الدار اقفرت حتّى صارت مجثما لضروب الوحش.