غير جهة الآية على أنّ أصحابك كانوا أئمّة على الحقيقة ، وخلفاء للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى تتناولهم الآية.
فإن قال : دليلي على تناولها لهم قول أهل التفسير.
قيل له ، ليس كل أهل التفسير قال ما ادّعيت ؛ لأن ابن جريح (١) روى عن مجاهد في قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٢) قال : هم أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروي عن ابن عبّاس رضي الله عنه وغيره قريب من ذلك ، وقد تأوّل هذه الآية علماء أهل البيت صلوات الله عليهم وحملوها على وجه معروف ، فقالوا : هذا التمكين والاستخلاف وإبدال الخوف بالأمن إنّما يكون عند قيام المهدي عليهالسلام (٣) ، فليس على تأويلك إجماع من المفسّرين ، وقول بعضهم ليس بحجّة.
فأمّا تعلقه بقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٤) وإنّهم لو كانوا خالفوا النص الجلي لم يكونوا خير أمّة أخرجت للناس ، فقد تقدّم من كلامنا على هذه الآية وكلامه أيضا على من استدلّ بها على صحّة الإجماع ، فإنه ضعف الاستدلال بها ، بما فيه كفاية ، لكنّا نقول له هاهنا : ألست تعلم أن هذه الآية لا تتناول جميع الأمة ؛ لأن ما اشتملت عليه من الأوصاف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهما ليس موجودا في جميع الأمة.
فإن قال : هي متوجهة إلى الجميع كان علمنا بأن أكثرهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر دافعا لقوله ، وإن اعترف بتوجهها إلى البعض. قيل له : فما المانع على هذا أن يكون الدافع للنصّ بعض الأمة ممن لم تتوجّه إليه الآية.
فإن قال : إنّما بنيت كلامي على أن الأمة كلّها لم تصل بدفع النصّ فلهذا استشهدت بالآية؟
__________________
(١) هو عبد الملك بن جريح المكّي الأموي بالولاء من المفسّرين في أوائل القرن الثاني.
(٢) سورة النور ، الآية : ٥٥.
(٣) انظر مجمع البيان ٧ : ٢٦٧.
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.