قيل له : ومن هذا الذي يقول : إن الأمة كلّها ضلّت بدفع النصّ حتّى يحتاج إلى الاستدلال عليه ، وقد مضى في هذا المعنى عند الكلام في النصّ ما فيه كفاية.
فإن قال : فأيّ فضل يكون لهذه الأمّة على الأمم قبلها إذا كان أكثرها قد ضلّ وخالف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويجب أن يكون أمّة موسى أفضل منهم وخيرا ؛ لأنّهم لم يرتدّوا بعد موسى عليهالسلام.
قيل له : أمّا لفظة «خير» وهي عندنا وعندك تبنى على الثواب والفضل ، وليس يمتنع أن يكون من لم يخالف النصّ من الأمّة أكثر ثوابا وأفضل عملا من الأمم المتقدّمة وإن كان في جملة المسلمين من عدل عن النصّ ، وليس بمنكر أن يكون من قلّ عدده أكثر ثوابا ممن كثر عدده ، ألا ترى أن أمّتنا بلا خلاف أقلّ عددا من أمم الكفر ، ولم يمنع هذا عندك من أن يكونوا خير أمّة ولم يعتبر بقلّتهم وكثرة غيرهم ، فكذلك لا يمنع ما ذكرناه من كون أهل الحق خيرا من سائر الأمم المتقدّمين وإن كانوا بعض الأمّة أقلّ عددا ممّن خالفهم ، على انّك تذهب إلى أن قوما من الأمّة ارتدّوا بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وطوائف من العرب رجعوا عن أديانهم حتّى قوتلوا على الردة ، ولم يكن هذا في أمّة موسى وعيسى عليهماالسلام ، ولم يوجب ذلك أن تكون أمّة موسى وعيسى عليهماالسلام خيرا من أمّتنا ولا مانع من أن تكون أمّتنا خيرا منهم ، وإن كان من تقدّم قد سلم من الردّة بعد نبيّه ولم تسلم أمّتنا من ذلك. فظهر أنه لا معتبر في الردّة ، بل المعتبر بالفضل وزيادة الجزاء على الأعمال.
فأما قوله : «كيف ينقادون لأبي بكر وقد نصّ عليهالسلام على غيره» فقد مضى في هذا من الكلام ما لا طائل في إعادته (١).
وقوله : «لو جاز ذلك لجاز أن يكون للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولد نصّ عليه ولم يذكر ذلك» فقد مضى في هذا الجنس من الكلام الكثير (٢) ، على أنا نقول له : إنّما
__________________
(١) راجع الشافي ، ٢ : ١٢٦ أيضا تفسير الآية ٨٧ و ٨٨ من سورة «طه» في هذا الكتاب.
(٢) راجع في ذلك «الشافي» ترى الوصف بالكثرة في محلّه.