تكون المعارضة بولد لم يذكر ولم ينقل النصّ عليه ، في مقابلة من قال بنصّ لم يذكره ذاكر ، ولم ينقله ناقل ، وهذا ما لم نقل به نحن ولا أحد (١) ، وإنّما يكون عروضا لنصّ مذكور معروف تذهب إليه طائفة من الأمّة منتشرة في البلاد ، والقول بنصّ على ولد له بهذه الصورة يجري مجراها (٢) ومعلوم فقد ذلك.
ثمّ يقال له : إذا جرى عندك القول بالنصّ الذي تذهب إليه مجرى النصّ على الولد فلم كان أحد الأمرين معلوما نفيه (٣) لكلّ عاقل ضرورة ، والآخر تختلف فيه العقلاء وتصنف فيه الكتب ، وتنتحل له الأدلّة ، وهذا يدلّ على افتراق الأمرين وبعد ما بينهما.
فأما قوله : «فكيف يكونون مرتدين مع أنه تعالى أخبر أنه جعلهم (أُمَّةً وَسَطاً) (٤) فقد مضى أيضا من الكلام في هذه الآية عند استدلاله بها في صحّة الإجماع ما فيه كفاية (٥) ، والكلام فيها يقرب من الكلام على قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وجملة الأمر أنّه تعالى نعتهم بأنّهم خيار ، وهذا نعت لا يجوز أن يكون لجميعهم ، بل يتناول بعضهم ووصف بعضهم بأنّه خيار لا يمنع من ردّة بعض آخر.
فأمّا قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (٦) فلنا في الكلام عليه وجهان : أحدهما : أن ننازع في أنّ السبق هاهنا السبق إلى الاسلام ، والوجه الآخر : أن نسلم ذلك فنبيّن أنّه لا حجّة في الآية على ما ادّعوه ، والوجه الأوّل بيّن ؛ لأنّ لفظة «السابقين» في الآية مطلق غير مضاف ، ويحتمل أن يكون مضافا إلى إظهار الإسلام ، واتباع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بل المراد به السبق إلى الخيرات والتقدّم في فعل الطاعات ، ويكون قوله : «الأولون» تأكيدا لمعنى السبق ، كما
__________________
(١) يريد الذاهبين إلى النصّ.
(٢) يعني إذا كان النصّ على ولد له بالصورة التي يذهب إليها القائلون بالنصّ فإنّه يجري هذا المجرى ولكن ذلك مفقود.
(٣) أي النصّ على الولد.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٤٣.
(٥) راجع تفسير الآية في هذا الكتاب.
(٦) سورة التوبة ، الآية : ١٠٠.