يقولون : فلان سابق في الفضل إلى الخيرات سابق فيؤكّدون باللفظين المختلفين ، وقد قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)) (١) وقال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) (٢).
فإن قيل : إذا كان المراد ما ذكرتم فأي معنى لتخصيص المهاجرين والأنصار ولو لا أنّه أراد السبق إلى الاسلام.
قلنا : لم نخصّ المهاجرين والأنصار دون غيرهم ؛ لأنه تعالى قال : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) (٣) ، وهو عام في الجميع ، على أنه لا يمتنع أن يخصّ المهاجرين والأنصار بحكم هو لغيرهم ، إمّا لفضلهم وعلوّ قدرهم أو لغير ذلك من الوجوه.
فأمّا الوجه الثاني فالكلام فيه أيضا بيّن ؛ لأنّه إذا سلم أن المراد بالسبق هو السبق إلى إظهار الاسلام فلا بدّ من أن يكون مشروطا بالاخلاص في الباطن ؛ لأنّ الله تعالى لا يعد بالرضا من أظهر الاسلام ولم يبطنه ، فيجب أن يكون الباطن معتبرا ومدلولا عليه فيمن يدّعي دخوله تحت الآية حتّى يتناوله الوعد بالرضا ، وممّا يشهد بأن الإخلاص مشروط مع السبق إلى إظهار الإسلام قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) فشرط الإحسان الذي لا بدّ أن يكون مشروطا في الجميع على أنّ الله تعالى قد وعد الصابرين والصادقين بالجنان ، فقال : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٤) وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)) (٥) ولم يوجب ذلك أن يكون كلّ صابر وصادق مقطوعا له بالجنّة ، بل لا بدّ من شروط مراعاة ، فكذلك القول في السابقين ، على أنه لا
__________________
(١) سورة الواقعة ، الآيتان : ١٠ ، ١١.
(٢) سورة فاطر ، الآية : ٣٢.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ١٠٠.
(٤) سورة المائدة ، الآية : ١١٩.
(٥) سورة البقرة ، الآيات : ١٥٥ ـ ١٥٧.