يخلو المراد بالسابقين من أن يكون هو الأول الذي لا أول قبله أو يكون من سبق غيره وإن كان مسبوقا ، والوجه الأول هو المقصود ؛ لأنّ الوجه الثاني يؤدّي إلى أن يكون جميع المسلمين سابقين إلّا الواحد الذي لم يكن بعده إسلام أحد ، ومعلوم خلاف هذا ، فلم يبق إلّا الوجه الأول ولهذا أكّده تعالى بقوله : «الأوّلون» لأنّ من كان قبله غيره لا يكون أولا بالإطلاق ، ومن هذه صفته بلا خلاف أمير المؤمنين عليهالسلام وحمزة وجعفر وخبّاب بن الأرت وزيد بن ثابت وعمار ، ومن الأنصار سعد بن معاذ وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فأمّا أبو بكر ففي تقدّم إسلامه خلاف معروف (١) فعلى من ادّعى تناول الآية أن يدلّ أنه من السابقين (٢).
فأمّا قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) (٣) الآية فالاعتبار وهو بمجموع الأمرين يعني القتال والانفاق ، ومعلوم أن أبا بكر لم يقاتل قبل الفتح ولا بعده ، وهذا القدر يخرجه من تناول الآية ، ثمّ في إنفاقه خلاف قد بيّنا من قبل الكلام فيه وأشبعناه ، على أنّه لو سلّم لأبي بكر إنفاق وقتال ـ على بعدهما ـ لكان لا يكفي في تناول الآية له ؛ لأنّه معلوم أن الله تعالى لا يمدح ولا يعد بالجنّة على ظاهر الانفاق والقتال ، وإن كان الباطن بخلافه ، ولا بدّ من اعتبار الباطن والنيّة والقصد إلى الله تعالى بالفعل ، فعلى من ادّعى تناول الآية لمن ظهر منه إنفاق وقتال أن يدل على حسن باطنه وسلامة غرضه ، وهذا لا يكون مفهوما من الآية ولا بدّ من الرجوع فيها إلى غيرها.
فأما قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (٤) الآية فأوّل ما يقال فيها أنّ الألف واللّام إذا لم تفد الاستغراق بظاهرها من غير دليل ، لم يكن للمخالف متعلّق بهذه الآية ؛ لأنها حينئذ محتملة للعموم وغيره على سواء وقد بيّنا أن الصحيح غير ذلك ، وأن هذه الألفاظ مشترك الظاهر ، ودلّلنا عليه في غير
__________________
(١) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ١٣ : ٢١٥.
(٢) راجع تفسير هذه الآية أيضا في الرسائل ، ٣ : ٨٦.
(٣) سورة الحديد ، الآية : ١٠.
(٤) سورة الفتح ، الآية : ٢٩.