وقال امرؤ القيس :
ولا مثل يوم في قداران ظلته |
|
كأنّي وأصحابي علي قرن أعفرا (١) |
ويروى : «في قدار ظللته» ؛ أراد المبالغة في وصف نفسه وأصحابه بالقلق والاضطراب ومفارقة السّكون والاستقرار ؛ وإنّما خصّ الظّبي ؛ لأنّ قرنه أكثر تحرّكا واضطرابا ؛ لنشاطه ومرحه وسرعته.
وقد قال بعض الناس : إنّ امرأ القيس لم يصف شدّة أصابته في هذا البيت فيليق قوله : «على قرن أعفرا» بالتأويل المذكور ؛ بل وصف أماكن كان فيها مسرورا متنعّما ؛ ألا ترى إلى قوله قبل هذا البيت بلا فصل :
ألا ربّ يوم صالح قد شهدته |
|
بتاذف ذات التلّ من فوق طرطرا |
فيكون معنى قوله : «على قرن اعفرا» على هذا الوجه ، أنّه كان على مكان عال مشرف ؛ شبّهه لارتفاعه وطوله بقرن الظبي ؛ وهذا القول لابن الأعرابيّ والأول للأصمعيّ ؛ فأمّا قول الآخر :
ألا قلّ خير الشّام كيف تغيّرا |
|
فأصبح يرمي النّاس عن قرن أعفرا |
فلا يحتمل إلّا الشدة والحال المذمومة ، ويجوز أنّ يريد أن الناس فيه غير مطمئنين بل هم منزعجون قلقون ؛ كأنّهم على قرن ظبي ، ويحتمل أنّه يطعنهم بقرن ظبيّ ، كقولك : رماه بداهية ، ويكون معنى «عن» هاهنا معنى الباء ، فقال : «عن قرن أعفرا» وهو يريد بقرن أعفرا ، وقد ذكر في هذا البيت الوجهان معا ، فيكون معنى الآية على هذا التأويل أنّ القلوب لمّا اتصل وجيبها واضطربت بلغت الحناجر لشدة القلق.
ومنها : أن يكون المعنى : كادت القلوب من شدة الرّعب والخوف تبلغ
__________________
(١) ديوانه : ١٠٦ ، قداران : قرية بالشام ؛ وأعفر ؛ أراد قرن ظبي أعفر. وفي حواشي بعض النسخ : «في نسخة الوزير الكامل أبي القاسم المغربي رحمهالله : «قذاران» ، بالذل المعجمة وفتح القاف ، وضب عليه».