الحناجر ، وان لم تبلغ في الحقيقة ، فألقى ذكر «كادت» لوضوح الأمر فيها ، ولفظة «كادت» هاهنا للمقاربة ؛ مثل قول قيس بن الحطيم :
أتعرف رسما كاطّراد المذاهب |
|
لعمرة وحشا غير موقف راكب (١) |
ديار الّتي كادت ونحن على مني |
|
تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب |
معناه : قاربت أن تحلّ بنا ، وان لم تحلل في الحقيقة.
وقوله : «غير موقف راكب» فيه وجهان : أحدهما : أنه ليس بموضع يقف فيه راكب لخلوّه من الناس ووحشته ، والآخر : أن يكون أراد أنّه وحش ؛ إلّا أن راكبا واقف به ، يعني نفسه.
وقال نصيب :
وقد كدت يوم الحزن لمّا ترنّمت |
|
هتوف الضّحى محزونة بالترنّم |
أموت لمبكاها أسى إنّ لوعتي |
|
ووجدي بسعدى شجوه غير منم |
معنى المنجم : المقلع.
وقال ذو الرّمة :
وقفت علي ربع لميّة ناقتي |
|
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه (٢) |
وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه |
|
تكلّمني أحجاره وملاعبه |
وكل هذا معنى «كاد» فيه المقاربة.
ومتى أدخلت العرب على «كاد» جحدا ، فقالوا : ما كاد عبد الله يقوم ، ولم يكد عبد الله يقوم ؛ كان فيه وجهان :
أجودهما : قام عبد الله بعد إبطاء ولأي ، ومثله قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٣) ؛ أي بعد إبطاء وتأخير ، لأنّ وجدان البقرة عسر عليهم.
__________________
(١) ديوانه : ١٠٠ ، والرسم : ما شخص من آثار الديار بعد البلى ، والمذاهب ؛ جمع مذهب ؛ وهي جلود تجعل فيها خطوط فيرى بعضها في إثر بعض ، وأطرادها : تتابعها.
(٢) ديوانه : ٣٥.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٧١.