وروي أنّهم أصابوها ليتيم لا مال له غيرها ، فاشتروها من وليّه بملء جلدها ذهبا ، فقال تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ، إمّا لأنّهم لم يقفوا عليها ، أو لغلائها وكثرة ثمنها.
والوجه الآخر في قولهم : ما يكاد عبد الله يقوم ، أي ما يقوم عبد الله ، وتكون لفظة يكاد على هذا المعنى مطّرحة لا حكم لها ، وعلى هذا يحمل أكثر المفسرين قوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) ، أي لم يرها أصلا ؛ لأنّه جلّ وعزّ لمّا قال : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (١) كأنّ بعض هذه الظلمات يحول بين العين وبين النظر إلى اليد وسائر المناظر ؛ ف (يَكَدْ) على هذا التأويل زيدت للتوكيد ، والمعنى : إذا أخرج يده لم يرها.
وقال قوم : معنى الآية : إذا أخرج يده رآها بعد إبطاء وعسر ؛ لتكاثف الظلمة ، وترادف الموانع من الرؤية ؛ ف (يَكَدْ) على هذا الجواب ليست بزائدة.
وقال آخرون : معنى الآية إذا أخرج يده لم يرد أن يراها ، لأنّ الّذي شاهده من تكاثف الظلمات أيأسه من تأمّل يده ، وقرّر في نفسه أنه لا يدركها ببصره. وحكي عن العرب : أولئك أصحابي الذين أكاد أنزل عليهم ، أي أريد أن أنزل عليهم ؛ قال الشاعر :
كادت وكدت وتلك خير إرادة |
|
لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى (٢) |
أي أرادت وأردت ، وقال الأفوه الأوديّ :
فإن تجمّع أوتاد وأعمدة |
|
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا |
أي أرادوا.
وقال بعضهم : معنى قوله تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) (٣) ، أي أردنا ليوسف.
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٠.
(٢) ديوانه : ١٠ (ضمن مجموعة الطرائف).
(٣) سورة يوسف ، الآية : ٧٦.