التأويلين ، وأنها التعديل والمواساة بين الثّواب والعقاب ، قال الشاعر (١) :
لها بشر مثل الحرير ومنطق |
|
رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر |
والهراء : الكثير ، والنزر : القليل ؛ وكأنّه قال : إنّ حديثها لا يقلّ عن الحاجة ولا يزيد عليها ؛ وهذا يجري مجرى أن تقول : هو موزون. وقال مالك بن أسماء بن خارجة الفزاريّ :
وحديث ألذّه هو ممّا |
|
ينعت الناعتون يوزن وزنا (٢) |
منطق صائب وتلحن أحيا |
|
نا وخير الحديث ما كان لحنا |
وهذا الوجه الذي ذكرناه أشبه بمراد الله تعالى في الآية ، وأليق بفصاحة القرآن وبلاغته الموفيتين على فصاحة سائر الفصحاء وبلاغتهم ؛ فأمّا قول الشاعر الذي استشهدنا بشعره : «وتلحن أحيانا» فلم يرد اللّحن في الإعراب الذي هو ضد الصواب ؛ وإنّما أراد الكناية عن الشيء والتعريض بذكره والعدول عن الإفصاح عنه ؛ على معنى قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٣) ، وقول الشاعر (٤) :
ولقد وحيت لكم لكيما تفطنوا |
|
ولحنت لحنا ليس بالمرتاب |
وقد قيل : إنّ اللحن الذي عني به في البيت هو الفطنة وسرعة الفهم ؛ على ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته» أي أفطن لها ، وأغوص عليها.
ومما يشهد بما ذكرناه ما أخبرنا به أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزبانيّ قال حدثنا أحمد بن عبد الله العسكريّ قال حدثنا العنزيّ قال حدثنا
__________________
(١) وهو ذو الرمة والبيت في ديوانه : ٢١٢.
(٢) في حاشية بعض النسخ حديث معطوف على كلام قبله ؛ أي لها وجه ، ولها حياء ، ولها حديث ، أو مثل ذلك وقوله : «ألذه» ، أي استلذه ؛ يقال : لذذت به ولذذته ، وقوله : «مما ينعت الناعتون» ، أي مما ينعته الناعتون. وقوله : «مما يوزن وزنا» ، أي موزونا ، فهو في موضع الحال.
(٣) سورة محمّد ، الآية : ٣٠.
(٤) هو القتال الكلابي ؛ والبيت في (الأمالي : ١ / ٥ ، واللسان ـ لحن) ، وقبله :
هل من معاشر غيركم أدعوهم |
|
فلقد سئمت دعاء يا لكلاب! |