وليس لأحد أن يقول : إنّ سورة الفتح نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين مكة والمدينة وقد انصرف من الحديبية ، وقال قوم من المفسّرين : إنّ الفتح أراد به فتح خيبر ؛ لأنّه كان تاليا لتلك الحال ، وقال آخرون : بل أراد به أنّا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا ، فكيف يقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة ، والسورة قد نزلت قبل ذلك بمدة طويلة؟ وذلك أنّ السورة وإن كانت نزلت في الوقت الّذي ذكر وهو قبل فتح مكّة ، فغير ممتنع ان يريد بقوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فتح مكّة ، ويكون ذلك على طريق البشارة له والحكم بأنّه سيدخل مكة وينصره الله على أهلها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والكلام كثير.
وممّا يقوي أنّ الفتح في السورة أراد به فتح مكّة قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (١) فالفتح القريب ههنا هو فتح خيبر.
وأمّا حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر ومقتضى الآية ؛ لأنّ الفتح بالإطلاق الظاهر منه الظفر والنصر. ويشهد بأن المراد بالآية ما ذكرناه قوله تعالى : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).
فإن قيل : ليس يعرف إضافة المصدر إلى المفعول إلّا إذا كان المصدر متعدّيا بنفسه ، مثل قولهم : «أعجبني ضرب زيد عمرا». وإضافة مصدر غير متعدّ إلى مفعوله غير معروفة.
قلنا : هذا تحكّم في اللسان وعلى أهله ؛ لأنّهم في كتب العربية كلّها أطلقوا أنّ المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول معا ، ولم يستثنوا متعدّيا من غيره ، ولو كان بينهما فرق لبيّنوه وفصّلوه كما فعلوا في غيره ، وليس قلّة الاستعمال معتبرة في هذا الباب ؛ لأنّ الكلام إذا كان له أصل في العربيّة استعمل عليه ، وإن كان قليل الاستعمال. وبعد ، فإنّ ذنبهم ههنا إليه إنّما هو صدّهم له عن المسجد الحرام ومنعهم إيّاه عن دخوله ، فمعنى الذنب متعدّ ، وإذا كان معنى المصدر
__________________
(١) سورة الفتح ، الآية : ٢٧.