الإعادة ؛ كما أنّها معدومة في الابتداء ، ويجعل ذلك نظيرا لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (١) ، ويتأوّل قوله تعالى : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) على أنّ معناه الإخبار عن قوّة المعرفة ، وأنّ الجاهل بالله في الدنيا يكون عارفا في الآخرة ؛ والعرب تقول : «فلان بصير بهذا الأمر» و «زيد أبصر بكذا من عمرو» ولا يريدون إبصار العين ، بل العلم والمعرفة ؛ ويشهد بهذا التأويل قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ، أي : كنت غافلا عمّا أنت الآن عارف به ، فلمّا أن كشفنا عنك الغطاء بأن أعلمناك وفعلنا في قلبك المعرفة عرفت وعلمت.
فأمّا الخبر الذي تدّعي روايته فهو خبر واحد ، ولا حجّة في مثله ؛ وإذا عرف لفظه ربّما أمكن تأوّله على ما يطابق هذا الجواب ، ومن ذهب إلى الأجوبة الأول يجعل العمى الأوّل والثاني معا غير الآفة في العين ، فإن عورض بقوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢) تأوّله على العمى عن الثواب أو عن الحجّة ، وقال في قوله تعالى : (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) (٣) إن معناه : كنت بصيرا في اعتقادي وظنّي ، من حيث كنت أرجو الهداية إلى الثواب وطريق الجنّة.
والمحصّل من هذه الجملة أنّه لا يجوز أن يراد بالعمى الأوّل والثاني جميعا الآفة في العين ؛ لأنّه يؤدي إلى أنّ كلّ من كان مؤوف البصر في الدنيا ، من مؤمن وكافر وطائع وعاص يكون كذلك في الآخرة ، وهذا باطل وبمثله يبطل أن يراد بلفظه «أعمى» الثانية المبالغة بمعنى أفضل من فلان ، ويبطله أيضا أنّ العمى الذي هو الخلقة لا يتعجّب منه بلفظة «أفعل» وإنّما يقال : ما أشدّ عماه! ولا يجوز أن يراد بالعمى الأولى العين والثاني العمى عن الثواب أو الجنّة أو الحجّة ، لأنّا نعلم أنّ فيمن عميت عينه في الدنيا من يستحقّ الثواب ، ويوصل
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٢٧.
(٢) سورة طه ، الآية : ١٢٤.
(٣) سورة طه ، الآية : ١٢٥.