الطعام (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١) يعني قل لهم : أنا في البشريّة مثلكم ولكنّ ربّي خصّني بالنبوّة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالغناء والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوّة.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمّا قولك : إنّ هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ، فإنّ الله تعالى له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنّك وحسبانك واقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد وهو محمود.
يا عبد الله ، إنّما بعث الله نبيه ليعلّم الناس دينهم ، ويدعوهم إلى ربّهم ، ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها ، وعبيد وخدم يسترونه عن الناس ، أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ؟ أو ما رأيت الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون ولا يشعرون؟
يا عبد الله ، إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرّفكم قوّته وقدرته ، وأنّه هو الناصر لرسوله ، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا ، ثم يظفرني الله ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ، ودون من يوافقكم على دينكم.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمّا قولك لي : ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسّكم ، لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان
__________________
(١) الكهف : ١١٠ ، فصلت : ٦.